Page 68 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 68

‫العـدد ‪21‬‬    ‫‪66‬‬

                                                      ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬

‫طارق الطيب‬

‫سؤال غريب على العائلة‬

‫عائلتي ولأنهن فحصنني وخالي حاكم بعين أنثوية‪.‬‬             ‫في الصالة كانت جدتي تجلس أمامي‪ ،‬تبدو أكبر‬
     ‫فجأة ودون سابق إنذار قرر خالي السفر إلى‬
                                                         ‫كثي ًرا من سبع سنوات غياب‪ ،‬إلى جوارها يجلس‬
   ‫أوروبا وتحدي ًدا إلى فيينّا‪ .‬أنهى دراسته الثانوية‬     ‫خالي حاكم واثنتان من خالاتي‪ .‬جلس ُت أنا مائ ًل‬
 ‫بمجموع طيب‪ .‬لكنه ف ّضل الالتحاق بالمعهد العالي‬
                                                            ‫محضو ًنا من أمي كأني سأفلت‪ ،‬وألف سؤال‬
   ‫للفنون المسرحية‪ ،‬قسم التمثيل‪ .‬لن أقول لسوء‬
  ‫حظه كما قيل‪ ،‬بل بسبب لونه الأسود‪ ،‬بالرغم من‬                                ‫ُيرفرف في أجواء الحجرة‪.‬‬
                                                                 ‫انفل َت مني سؤال بدا غريبًا على العائلة‪:‬‬
     ‫براعته في التمثيل على مسرح المدرسة طوال‬          ‫“حصل إيه لل ِّس ّت الحامل اللي كانت في التاكسي؟”‬
                 ‫سنوات دراسته بشهادة الجميع‪.‬‬              ‫صمتهم كان أغرب من سؤالي‪ ،‬تبادلوا نظراتهم‬
                                                           ‫بسرعة البرق‪ .‬قالوا في َن َفس واحد وبتنويعات‬
     ‫اكتأب خالي حاكم لفترة طويلة‪ ،‬حزن وأحزن‬
  ‫معه الأسرة‪ ،‬ثم اتخذ ذات يوم هذا القرار السريع‬                                               ‫مختلفة‪:‬‬

    ‫المفاجئ الذي سعى نحوه بعد يأس مكين‪ .‬كنا‬                                          ‫“مين ال ِّس ّت دي؟”‬
      ‫نسمع وقتذاك عن فيينّا ‪-‬خصو ًصا من أغنية‬          ‫أمسكت كوب الشاي عام ًدا أن أتأخر قلي ًل عن الرد‪.‬‬
‫أسمهان الشهيرة (ليالي الأنس في فيينّا)‪ -‬ولم أكن‬
  ‫أنا أعلم تحدي ًدا أين تقع هذه المدينة في جغرافية‬                         ‫***‬

                              ‫هذا العالم الواسع‪.‬‬        ‫كنا في أوائل السبعينيات‪ ،‬وعمري في ذاك الوقت‬
  ‫تأخ َر ْت إجراءات الحصول على الفيزا حوالي ستة‬
                                                        ‫عشر سنوات‪ .‬أتذكر يوم سفر خالي “حاكم” إلى‬
    ‫أسابيع أو أكثر‪ .‬في غضون هذا الوقت سافرت‬
  ‫جدتي للحج‪ ،‬ثم فجأة اكتملت جميع أوراقه وكان‬           ‫النمسا‪ .‬أمي بكت أكثر من أمه؛ فهو أخوها الأصغر‬

     ‫عليه أن يسافر في الموعد المحدد في التذكرة‬           ‫آخر العنقود‪ ،‬يصغرها بتسع سنوات‪ ،‬ر ّبته كابن‬
   ‫مسب ًقا؛ أي بعد أسبوع‪ ،‬وتصادف أن يكون يوم‬          ‫لها قبل أن يكون لها بنات وولد وحيد هو أنا‪ .‬خالي‬
  ‫سفره هو يوم عودة جدتي‪ -‬أمه‪ .‬ستأتي هي قبل‬
                                                           ‫حاكم َو َل ٌد وحيد على أربع بنات‪ .‬م ِرح وسريع‬
            ‫الظهر وسيسافر هو في العاشرة لي ًل‪.‬‬          ‫البديهة ويحمل وسامة فادحة تفتن الفتيات وتثير‬
    ‫سنوات طويلة بعده‪ ،‬سلك ُت الطريق نفسها؛ إلى‬
                                                      ‫حسد الأقران‪ .‬تش ّرب من حنان نساء الأسرة الكفاية‬
                                                        ‫وتش ّرب تدريبات رجولة مبكرة أكثر على يد جدي‬
                                                      ‫صعب المراس‪ .‬لم أحمل وسامة خالي حاكم‪ ،‬لكنهم‬

                                                         ‫أوهموني بذلك‪ ،‬ربما لأن الغلبة كانت للإناث في‬
   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73