Page 69 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 69
67 إبداع ومبدعون
قصــة
احنا».. فيينّا؛ دائ ًما فيينّا .لم أعرف لماذا فيينا تحدي ًدا! ربما
رد والدي ،لكن ال ُم َق ِّدس قاطعه: اخترتها لأنها الطريق نفسها التي سلكها خالي حاكم
«لا ُيم ِكن! وال َعدرا لا ُيم ِكن!» ثم نادي« :يا لويس..
قبلي .أنهيت دراستي الجامعية في اللغة الألمانية
نادي أمك من ج َّوه!» بتفوق .كنت أحلم بالتدريس الجامعي وكنت أستحقه
كان ينطق كلامه بلهجة جميلة أحبها.
ظهرت «أبلة» ليندا بجمالها وأناقتها لتسلم على بجدارة وأعشقه ،لكن أوحال سوء الحظ تساقطت
الضيوف ،ثم انغمرت في عناق وقبلات وعتاب فوق رأسي من حيث لا أدري في هذا العام ،فقد
رقيق لخالتي ثريا ورقية لقلة الزيارات ،ونابني غيروا لائحة الجامعة لقبول المعيدين ،فبقيت لثلاث
من القبلات والأحضان نصيب لا أحصل عليه في سنوات ونصف شبه عاطل ،أعمل متقط ًعا :مرة في
المدرسة؛ فالأبلة ليندا هي أي ًضا أستاذة التاريخ الترجمة ومرة في السياحة ومرة في أشياء لا علاقة
والجغرافيا والتربية الوطنية في مدرستنا ،وأحيا ًنا لها باللغة التي درستها ،فلفني الضجر بخيوطه
تدرس لنا حصص الموسيقى على البيانو في غياب
أبلة الموسيقى زوجة الناظر الحامل دائ ًما .تأكدت حتى كبلني.
أبلة ليندا من استلام عائلتنا دعوة حفل زفاف أرسل خالي حاكم لجدتي تلغرا ًفا بإنجازه كل
ابنتهما إيزيس التي ستتزوج بعد شهر في كنيسة الأوراق ،وأعلمها بموعد السفر مؤك ًدا بأنه لن
مارجرجس ،وأن عائلتنا هي أول المدعوين لحضور يسافر قبل أن يراها ،فاتصلت جدتي فور استلامها
للتلغراف ببيت «ال ُم َق ِّدس» جورج الذي تربطنا به
هذا الزواج. علاقة صداقة عائلية قديمة ،وهو الثاني في كل
في التو انطلقت زغاريد ف ِرحة قوية من حنجرة شارعنا الطويل الذي يمتلك تليفو ًنا في منزله .أرسل
خالتي ثريا ورقية م ًعا ،ودمعت عينا أبلة ليندا تأث ًرا: إلينا ابنه الصغير لويس -صديقي وزميلي في
«عقبالكو يا بنات! أحضر فرحكو وفرح عيالكو يا المدرسة الابتدائية -بأن الجدة قد اتصلت وستعاود
رب!» الاتصال بعد نصف ساعة.
زغرد التليفون في الوقت نفسه .قفزت خالتي ثريا أتذكر أن حملة من أفراد العائلة جهزت نفسها لغزو
من مكانها لترفع السماعة .فثبّتها أبي ،قائ ًلِ « :يم ِكن
مكالمة للبيت يا ثريا ..اُص ُبري!» ،لكن ال ُم َق ِّدس بادر بيت ال ُم َق ِّدس جورج لتلقي المكالمة :أبي هاشم
سري ًعا« :لا يا بنتي ُروحي ُردي ..أكيد ه َّي الحا ّجة ومعه خالي حاكم وخالتي ثريا وخالتي رقيه ،خالتي
نبيلة!» الوسطى روضة بقيت مع أخواتي البنات وأمي.
تحادث الجميع مع جدتي على عجل .تخاطفوا كنت بالطبع ضمن الحملة الغازية لبيت ال ُم َق ِّدس
السماعة من بعضهم البعض ،بينما كنت أحشر
رأسي وسط الرءوس المجتمعة عند السماعة. جورج.
حين تحادثت جدتي مع خالي وكرر لها ما كتبه دخلنا بيت ال ُم َق ِّدس جورج في «زعبوبة» و»دوشة»
في التلغراف ،ذكرت له أنها دعت له دعوات طويلة واضحة وبعد التحيات والسلام ،جلسنا في الصالة.
عند قبر الرسول وأنها أحضرت له من ماء زمزم
ليشرب منه قبل أن يسافر لهذه البلاد البعيدة. أصر ال ُم َق ِّدس على تقديم قهوته المح ِّوجة التي
انتظرت دوري في المحادثة في تشوق واضح ُيشتهر بها إكرا ًما للضيوف .شكره والدي وتبعته
وقلق كبير وأمل أكبر بأن أحدث جدتي وأذ ّكرها خالتي بشكر مضاف واعتذار مؤدب ،لكن صوته
علا مستنك ًرا.
«والمسيح ال َح ّي لان ُتم شاربين حاجةِ ..و ِدي تيجي!»
«يا ْم َق ِّدس ِتعيش! والله لِ َّسة شاربينَ ..كتَّر خي َرك..
دي ْمكالمة سريعة و َحنمشي على طول ..وبعدين