Page 253 - merit 43- july 2022
P. 253

‫‪251‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫أوروبا بأكلمها في نهاية‬     ‫وأنها ستكون أي ًضا مدخ ًل‬            ‫مع «الجرمان البرية»‬
‫الموجة الرومانية (العصور‬       ‫مه ًّما لفهم مسارات تفككها‬           ‫وتمددها الجغرافي في‬
                                                              ‫مواجهة «الجرمان البحرية»‬
   ‫الوسطى)‪ ،‬إذ «بالتزامن‬          ‫وآليات ذلك‪ ،‬والمقصود‬             ‫الأطلسية‪ ،‬سيكون على‬
      ‫مع انتصار الجرمان‬         ‫بـ»الذهنية الجرمانية» أي‬         ‫حساب المفصلية الثقافية‬
                               ‫ذهنية «القبائل الجرمانية»‬        ‫العربية أي ًضا‪ ،‬مع التدخل‬
   ‫سياسيًّا وتحول أوروبا‬                                             ‫الروسي الكولونيالي‬
‫أوروبا الرومانية إلى ممالك‬         ‫المتعددة التي نزلت من‬           ‫في سوريا‪ ،‬ومع الدور‬
                                    ‫الغابة وشمال أوروبا‬         ‫الروسي سيئ السمعة في‬
     ‫جرمانية‪ ،‬كان نمطهم‬         ‫متأخ ًرا منذ أواسط القرن‬         ‫ملف سد النهضة ودعم‬
  ‫الحضاري الجديد يرسخ‬             ‫الثاني والثالث ميلاد ًّيا‪،‬‬        ‫الهيمنة الأثيوبية على‬
‫أقدامه في الغرب الأوروبي‬            ‫وصنعت نم ًطا وكتلة‬          ‫نهر النيل‪ ،‬وتحويل الملف‬
                                   ‫رئيسية بوصول نهاية‬             ‫إلى موضع للاستقطاب‬
     ‫بوتيرة متسارعة»(‪،)3‬‬         ‫القرون الميلادية العشرة‬           ‫بين «الجرمان البرية»‬
  ‫ومنفر ًدا بالسيادة الغالبة‬    ‫الأولى تقريبًا ثم العصور‬          ‫مع روسيا والأوراسية‬
   ‫في الموجة الثالثة (عصر‬                                      ‫والصين التي تختبئ خلف‬
                                               ‫الوسطى‪.‬‬           ‫الستار‪ ،‬وبين «الجرمان‬
     ‫النهضة والحداثة وما‬         ‫حيث تمددت من التخوم‬
      ‫بعدهما)‪ ،‬متفو ًقا على‬                                          ‫البحرية» والتحالف‬
‫مكونات «مستودع الهوية»‬                 ‫الغربية أو أطراف‬         ‫الأنجلوساكسوني بقيادة‬
‫الأوروبي الأخرى ومهيمنًا‬          ‫الإمبراطورية الرومانية‬        ‫أمريكا‪ .‬كذلك ما حدث في‬
‫عليها‪ ،‬لتصبح عناصر غير‬                                           ‫السودان بعد أحداث ‪25‬‬
  ‫ذات تأثير قوي في صنع‬                ‫التي شكلت الموجة‬
‫النمط الثقافي السائد‪ ،‬الذي‬          ‫الحضارية الأوروبية‬             ‫أكتوبر ‪ 2021‬وإزاحة‬
    ‫سيطرت عليه «الذهنية‬        ‫الثانية‪ ،‬وشر ًقا في روسيا‪،‬‬     ‫المكون المدني ودعم الروس‬
      ‫الجرمانية» وذلك في‬      ‫حتى اجتاحت الامبراطورية‬
  ‫الموجة الحضارية الثالثة‬        ‫الرومانية نفسها لتصبح‬            ‫للمكون العسكري بحثًا‬
  ‫التي أخذت شكلها الأبرز‬       ‫القبائل الجرمانية هي المتن‬      ‫عن موطئ قدم لها وزيادة‬
‫صعو ًدا منذ عصر النهضة‪.‬‬       ‫الرئيسي في أوروبا القديمة‬
                                   ‫(اليونانية والرومانية)‬            ‫نفوذهم وحضورهم‬
       ‫والجدير بالذكر أن‬          ‫وفي تخومهم في أوروبا‬          ‫الجغرافي في منطقة القرن‬
      ‫السرديات التاريخية‬          ‫الغربية وروسيا شر ًقا‪،‬‬      ‫الأفريقي‪ ،‬في مواجهة النفوذ‬
   ‫الأوروبية حينما تتناول‬        ‫إذ «نرى أن أوروبا التي‬
 ‫العنصر الجرماني‪ ،‬تتعمد‬        ‫نعرفها اليوم شكلتها ثلاثة‬                      ‫الأمريكي‪.‬‬
     ‫أن تتعامل معه بشكل‬             ‫عناصر انصهرت مع‬                ‫فمن وجهة نظر معينة‬
 ‫جزئي غير مترابط وليس‬             ‫بعضها في بوتقة كونت‬           ‫تبحث في الأنماط الثقافية‬
  ‫كفكرة كلية حاكمة للذات‬      ‫بدايات الحضارة الأوروبية‪،‬‬
‫الأوروبية المعاصرة‪ ،‬مثلما‬                                            ‫والحضارية الكامنة‬
‫تطرح الدراسة وفرضيتها‬                  ‫هي ثقافة اليونان‬          ‫والمضمرة تحت السطح؛‬
  ‫المركزية لسردية التاريخ‬        ‫القديمة وروما‪ ،‬والديانة‬         ‫يجوز القول إن «الذهنية‬
    ‫الأوروبي الحديث وفي‬       ‫المسيحية‪ ،‬وثقافة المحاربين‬
      ‫موجته الثالثة‪ ،‬فمث ًل‬       ‫الجرمانيين الذين غزوا‬             ‫الجرمانية» كانت هي‬
     ‫يتحدثون عن الأنجلو‬       ‫الإمبراطورية الرومانية»(‪.)2‬‬     ‫العامل المسكوت عنه في فهم‬
    ‫ساكسون في بريطانيا‬         ‫ليتسيد العنصر الجرماني‬         ‫الموجة الحضارية الأوروبية‬
  ‫وأمريكا‪ ،‬وعن قبيلة ألمان‬       ‫بثقافته «التيار العام» في‬
                                                                 ‫الحالية‪ ،‬والتي تمتد منذ‬
                                                               ‫عصر النهضة وحتى الآن‪،‬‬
   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258