Page 54 - merit 43- july 2022
P. 54

‫العـدد ‪43‬‬           ‫‪52‬‬

                                                              ‫يوليو ‪٢٠٢2‬‬       ‫من الأوهام والأغلال‪.‬‬
                                                                              ‫والحقيقة التي لا يمكن‬
  ‫التي لا يملكون لها دف ًعا‪.‬‬      ‫وتقبل على من يضربها‬                           ‫إغفالها أن شخصيات‬
 ‫فأحمد عاكف يلوذ بقراءة‬           ‫ويلعنها‪ ،‬فسياستي مع‬                       ‫الرواية التي تشكل العقل‬
 ‫الكتب‪ ،‬ويحاول أن يجعل‬         ‫الدنيا ومع النساء واحدة»‪.‬‬                      ‫الجمعي‪ ،‬إنما تصدر في‬
                                                                             ‫سلوكها عن وعي مأزوم‬
    ‫من نفسه مثق ًفا يباهي‬                ‫(نفسه‪ ،‬ص‪)٤٤‬‬                            ‫بحيث لا تملك القدرة‬
      ‫بمعارفه‪ ،‬المتواضعة‬          ‫وبعد العجز واللامبالاة‬                    ‫على حل مشاكلها الفردية‬
                               ‫يأتي الذهول كأحد تجليات‬                    ‫فض ًل عن أن تحل مشاكلها‬
‫قيا ًسا بثقافة العصر‪ ،‬أمام‬      ‫الوجود الجمعي المتهافت‪،‬‬                      ‫الوطنية والقومية‪ .‬فنقرأ‬
‫الآخرين ممن لا تستهويهم‬                                                    ‫عن شخصية أحمد عاكف‪:‬‬
‫القراءة ويقنعون بمعلومات‬            ‫فنجد القهوجي الذي‬                     ‫«وانقضت بعد ذلك عشرون‬
                                  ‫يتعاطى الأفيون بشكل‬                       ‫عا ًما من حياته وقلبه من‬
  ‫سطحية ومغلوطة تنقلها‬          ‫دائم بحيث يؤدي عمله في‬                       ‫الحياة خواء يكابد مرارة‬
   ‫إليهم الصحف الرسمية‬            ‫حالة من الشرود وكأنه‬                     ‫عيشة فقيرة حقيرة مترعة‬
 ‫والإذاعات الموجهة لتكون‬        ‫في حلم لا يريد أن يصحو‬                     ‫بالتبعات ضيقة الأمل‪ .‬ولو‬
 ‫مادة للثرثرة على المقاهي‪،‬‬       ‫منه أب ًدا‪ ،‬وعندما يتساءل‬                   ‫سكنت ثائرته لأمكنه أن‬
                                 ‫أحمد عاكف‪ :‬وهل تطيب‬                          ‫يجد في حياته من لذات‬
     ‫وعن شعوره الكاذب‬             ‫الحياة علي هذا النحو؟!‬                   ‫التضحية والقيام بالواجب‬
 ‫بالتفوق نقرأ‪« :‬لم يخامره‬          ‫يجيب أحمد راشد‪« :‬لا‬                       ‫ما يعزيه عن خيبة آماله‬
                              ‫أدري! المؤكد فقط أن اليقظة‬                     ‫جميعا»‪( .‬نفسه‪ ،‬ص‪)٣٦‬‬
     ‫شك قط في تفوقه على‬         ‫التي نحبها ونستزيد منها‬                    ‫وإذا كان العجز هو السمة‬
   ‫هؤلاء الناس من جميع‬            ‫بالقهوة والشاي يمقتها‬                       ‫المميزة لشخصية أحمد‬
                                  ‫الرجل وكثيرون أمثاله‪:‬‬                     ‫عاكف‪ ،‬فإن اللامبالاة هي‬
     ‫الاعتبارات والوجوه‪،‬‬        ‫وتراه إذا أجبر بسبب ما‪،‬‬                       ‫ما يميز شخصية المعلم‬
   ‫فهو من أهل السكاكيني‬       ‫على البقاء فيها مدة‪ ،‬متثائبًا‪،‬‬                 ‫نونو خطاط الحي‪ ،‬وهو‬
    ‫وهم من أبناء الدراسة‬      ‫دامع العينين‪ ،‬شرس الخلق‪،‬‬                         ‫يلخصها في شعار ذي‬
   ‫أو الجمالية! وهو المفكر‬     ‫ولا تسكن ثائرته‪ ،‬ويصفو‬                         ‫دلالة يعكس فلسفته في‬
                                   ‫مزاجه حتى يغيب عن‬                           ‫الحياة برمتها‪ ،‬فيقول‪:‬‬
    ‫والعقل الكامل وهم لا‬         ‫الوجود‪ ،‬ويهيم في عوالم‬                   ‫«أجل ملعون أبو الدنيا‪ ،‬هذا‬
  ‫شيء من هذا جميعه‪ .‬بل‬          ‫الذهول»‪( .‬نفسه‪ ،‬ص‪)٥٥‬‬                      ‫شعار الاستهانة لا اللعن أو‬
                                  ‫و ُيلاحظ أن كل نمط من‬                     ‫السب‪ .‬ولكن هل تستطيع‬
    ‫خا ٍل أن وجوده بينهم‬            ‫الشخصيات‪ ،‬العاجزة‬                     ‫أن تلعنها بالفعل كما تلعنها‬
    ‫تعطف جميل وتواضع‬                                                        ‫باللسان؟ هل تستطيع أن‬
                                     ‫واللامبالية والذاهلة‪،‬‬                 ‫تستهين بها وتضحك منها‬
       ‫محبوب»‪( .‬ص‪)٤٨‬‬          ‫تحاول‪ ،‬بحيلة ما نفسية‪ ،‬أن‬                       ‫إذا أفقرتك؟ وإذا عرتك؟‬
    ‫ويتخذ المعلم نونو من‬                                                   ‫وإذا كربتك؟ وإذا أجاعتك؟‬
    ‫الفحولة الجنسية سببًا‬      ‫تعوض ضعفها بأن تعزي‬                           ‫صدقني أن الدنيا كالمرأة‬
    ‫خفيًّا للتعويض به عن‬           ‫إلى نفسها نو ًعا وهميًّا‬                ‫تدبر عمن يجثو بين يديها‪،‬‬
‫ضعفه في نواح أخرى وقلة‬            ‫من القوة‪ ،‬يذكرنا بدون‬
 ‫حيلته في مواجهة تحديات‬
  ‫الحياة والمعيشة الصعبة‪،‬‬      ‫كيشوت الذي كان يحارب‬
                              ‫طواحين الهواء‪ .‬فهناك دائ ًما‬
       ‫فلديه زوجات أربع‬        ‫حروب داخلية وانتصارات‬
    ‫وخليله‪ ،‬وعندما يسأله‬
 ‫أحمد عاكف «أليس الأربع‬           ‫وهمية تحدث بالتوازي‬
‫لأكثر مما ينبغي؟!»‪ ،‬يجيب‬            ‫مع الحروب الحقيقية‬
‫بكل فخار‪« :‬ليتهم كفينني‪،‬‬
 ‫أنا والحمد لله أكفي مدينة‬
 ‫من النساء‪ ،‬أنا المعلم نونو‬
‫والأجر علي الله»‪( .‬ص‪)٤٥‬‬
   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59