Page 198 - merit 42 jun 2022
P. 198

‫بهذه المثابة يصبح شاعر‬      ‫في "قصائد الغرقى" تمتزج الذكرى بالرغبة‪،‬‬
   ‫“قصائد الغرقى”‪ ،‬الذي‬          ‫ذكرى (فرحة) التي أجهض الراوي حبها‬
  ‫مر بأزمة صحية عرضته‬
    ‫لعملية جراحية خطرة‪،‬‬       ‫في قلبه لأنه كان (مشغوًل)‪ ،‬وهو ما يشير‬
   ‫هو نفسه القصيدة التي‬         ‫إلى العجز وربما الرفض‪ ،‬وهو ما يضاهي‬
    ‫نجج الجراح الأمهر في‬         ‫رفض الحياة نفسها والرغبة في الموت‪.‬‬
‫إصلاحها‪ ،‬ودفعها ثانية إلى‬      ‫في هذا المشهد على وجه الخصوص نجد‬
   ‫العالم‪ ،‬ومن هنا نكتشف‬          ‫أن الإحالة حاضرة إلى النشيد الرابع في‬
‫تماهي الشاعر في قصائده‪،‬‬
                              ‫الأرض الخراب بعنوان (الموت غر ًقا)‪ ،‬خاصة‬
       ‫أو تماهيه مع هموم‬      ‫إذا تذكرنا عنوان الديوان "قصائد الغرقى"‪.‬‬
‫البسطاء الذين ينتمي إليهم‪،‬‬
                                 ‫كانت الذات تتحقق كبطل‬          ‫سيبل يعيش في المنطقة‬
  ‫أو انحيازه للغالبية‪ ،‬وهو‬     ‫في مستوى البنية السردية‬     ‫الوسطى بين الحياة والموت‪،‬‬
  ‫انحياز يتسق مع قصيدة‬        ‫السطحية فإن الذات المضادة‬
  ‫النثر الجديدة ومشروعها‬       ‫تتحقق كخصم”(‪ .)4‬في هذا‬        ‫وهي في الواقع حال الذات‬
   ‫الحداثي والحضاري بما‬         ‫الجزء من الديوان تشتبك‬          ‫الشاعرة نفسها‪ ،‬وحال‬
                                 ‫الذات الشاعرة في صراع‬
     ‫يعني ربما أن قصيدة‬          ‫مع الذات المضادة‪ ،‬وربما‬   ‫البشر الذين تتحدث باسمهم‬
   ‫النثر سوف تتخلص من‬         ‫هي ذات الجنرال الذي تقف‬                  ‫الذات الشاعرة‪.‬‬
 ‫عزلتها‪ ،‬وتشتبك مع هموم‬         ‫منه الذات الشاعرة موقف‬
‫(الغرقى) أو هموم الوجود‬                                        ‫يبدو أن هذا الجزء من‬
                                                ‫النقيض‪.‬‬         ‫الديوان بوصفه وحدة‬
       ‫بما ينطوي عليه من‬       ‫يهدي الشاعر ديوانه لوائل‬
                 ‫تناقض‪.‬‬                                           ‫سردية يتأسس على‬
                                    ‫غفير ويسميه الجراح‬           ‫فرضية الذات والذات‬
            ‫هوامش‪:‬‬              ‫الأمهر‪ ،‬وهو إهداء مراوغ‪،‬‬       ‫المضادة ‪Subject and‬‬
                                                              ‫‪ ،anti-subject‬ويصف‬
       ‫‪ -1‬الدكتور أيمن بكر‪،‬‬        ‫فالعبارة تحيلنا لإليوت‬   ‫برنس الذات المضادة بأنها‪:‬‬
 ‫قصيدة النثر العربية‪ :‬ملامح‬   ‫حين أهدى قصيدة “الأرض‬             ‫“نقيض الذات‪ ،‬والذات‬
                                                            ‫المضادة لها غايات تتناقض‬
     ‫النوع وحدود التجريب‪،‬‬           ‫الخراب” لإزرا باوند‬     ‫مع غايات الذات‪ ،‬ويجب ألا‬
  ‫دار أرابيسك‪ ،‬الطبعة الأولى‬      ‫بوصفه الصانع الأمهر‪.‬‬     ‫تعتبر كمجرد خصم عارض‬
                                ‫لقد قرأ إزرا باوند قصيدة‬    ‫يشتبك في صراع مع الذات‬
            ‫‪ ،2009‬ص‪.68‬‬        ‫إليوت‪ ،‬وحررها من الترهل‪،‬‬         ‫أو يمثل عقبة في مسعاه‬
   ‫‪ -2‬قصائد ت‪ .‬س‪ .‬إليوت‪،‬‬                                   ‫نحو تحقيق غايته؛ فهو مثل‬
    ‫ترجمة وتقديم وهوامش‬             ‫وحذف منها الإطناب‪،‬‬       ‫الأخير طالب غاية والسرد‬
                              ‫ودفعها للعالم رشيقة عذبة‪،‬‬         ‫يتشكل ويتمحور حول‬
     ‫د‪.‬ماهر شفيق فريد‪ ،‬دار‬    ‫رغم قسوتها في نقد عالم ما‬    ‫مطلبيهما المتصارعين‪ ..‬وإذا‬
    ‫ومطابع المستقبل ‪،1996‬‬      ‫بعد الحرب الكبرى الأولى‪.‬‬

                   ‫ص‪.116‬‬
  ‫‪ -3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.113‬‬
  ‫‪ -4‬جيرالد برنس‪ ،‬المصطلح‬
‫السردي‪ ،‬ترجمة عابد خزندار‬

     ‫ومراجعة وتقديم محمد‬
    ‫بريري‪ ،‬المشروع القومي‬
 ‫للترجمة‪ ،‬رقم ‪،2003 ،368‬‬

                    ‫ص‪.38‬‬
   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203