Page 20 - merit 42 jun 2022
P. 20

‫العـدد ‪42‬‬   ‫‪18‬‬

                                                        ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬

 ‫السابع من فبراير عام ‪ ،2018‬كنا ننطلق من المطار‬            ‫أنجزه قبل سنوات طويلة‪ ،‬إذ ُيشعرك التحامه به‬
 ‫إلى فندق شيراتون البصرة‪ ،‬كل ضيفين في سيارة‪،‬‬               ‫أنه أنجزه للتو‪ ،‬وهو مراقب جيد لتجربته‪ ،‬يتأمل‬
  ‫وقد فوجئت أن رفيقي لم يكن إلا العملاق شوقي‬            ‫بحرص متكآتها ومآتيها يقول‪“ :‬الشعر بالنسبة لي‬
                                                        ‫هو الذي يبتكر السر‪ ،‬وهو الذي يكشفه ويعريه م ًعا‬
     ‫عبد الأمير‪ ،‬ما أن ع َّرفته بنفسي حتى فتح كنز‬       ‫في آن‪ .‬في الشعر كما في السر تكمن حريتنا المطلقة‪.‬‬
‫شجونه‪ ،‬واستدعى اليمن ومآثرها‪ ،‬إنسانها وجبالها‬           ‫واللغة العربية ليست بريئة في هذه المقارنة اللفظية‪،‬‬
                                                        ‫بخاصة إذا أضفنا إليها كلمة السحر‪ .‬في الشعر‪ ،‬أي‬
 ‫وسهولها‪ ،‬مدنها ومسالكها‪ ،‬الأدباء ومقايل القات‪،‬‬
     ‫بيت رامبو ونوستالجيا صنعاء وتريم‪ .‬بهرني‬                         ‫في الكلمة‪ ،‬تختزل العلاقة مع الكون”‪.‬‬
    ‫الرجل بكل معنى الكلمة‪ ،‬ثمة شغف لا مثيل له‪،‬‬              ‫إنه شاعر أعطى الشعر حياته‪ ،‬فمنذ حوالي ‪50‬‬
                                                        ‫عا ًما وهو يحفر في كوكبه الشاهق زاويته التي فيها‬
   ‫ثمة عش ٌق يعي ُد تخليق اليمن في روحك وذاكرتك‪،‬‬        ‫يخلع‪ ،‬مثل ثعبان جلجامش‪ ،‬بشرته ويغسل صوته‬
‫يمنح اسمها طاقة إيجابية‪ ،‬ويعيد تنضيد وعيك بها‪.‬‬          ‫بأمطار تهطل من سماوات الداخل‪ ،‬ويقلد جنونه كل‬
‫وهو يتحدث بلغة فخمة‪ .‬تتدفق بسلاسة متكئة على‬              ‫نياشين الحكمة والصواب‪ .‬وهو مثل قلة قليلة من‬
                                                          ‫أصحاب المشاريع الشعرية الكبرى يقف على قمة‬
   ‫ذاكرة حاضرة‪ ،‬وتواصل روحي ونفسي عميق‪،‬‬
     ‫اتصل الحديث في بهو الفندق وجذبت حلاوته‬                                 ‫هرم معرفي مكتنز بالتجارب‪.‬‬
                                                            ‫وبين ‪ 1977‬و‪ 2019‬صدرت له عديد الدواوين‬
   ‫أدباء عر ًبا وعراقيين انضموا إلينا‪ ،‬وتجلى الرجل‬       ‫الشعرية منها‪ ،‬حديث لمغني الجزيرة العربية‪ ،‬أجنّة‬
 ‫تجلى حتى شف‪ ،‬وتمنيت فقط لو أن حديثه الجميل‬                ‫وسراويل صحراوية‪ ،‬حدود‪ ،‬أبابيل‪ ،‬حديث نهر‪،‬‬
‫المنسق قد ُسجل‪ ،‬تخيلته كتا ًبا مطبو ًعا‪ ،‬قلت له‪ :‬لماذا‬        ‫حديث القرمطي‪ ،‬حجر ما بعد الطوفان‪ ،‬كتاب‬
 ‫لا يتحول هذا الشغف البديع باليمن‪ ،‬وهذه الذاكرة‬              ‫الرقائم السبع‪ ،‬سنبلة الحقول الوثنيَّة‪ ،‬يوميات‬
                                                             ‫شعر في المنفى‪ ،‬ديوان الاحتمالات‪ ،‬إمضاءات‪،‬‬
    ‫المفعمة باليمانيين إلى كتاب‪ ،‬سيكون ذلك رائ ًعا‪،‬‬           ‫ديوان المكان‪ ،‬الأعمال الشعرية‪ ،‬ميلاد النخلة‪،‬‬
    ‫حدثته عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة‬                   ‫ُخيلاء‪ ،‬مقاطع مط َّوقة‪ ،‬محاولة فاشلة للاعتداء‬
                                                             ‫على الموت‪ ،‬الوجه الخامس لمسلَّة الأنا‪ ،‬الديوان‬
      ‫والنشر‪ ،‬وعن الشاعر هاني الصلوي صاحب‬
     ‫المؤسسة‪ ،‬وقلت له سنتولى طباعة الكتاب ولنا‬                           ‫الافتراضي‪ ،‬أنا والعكس صحيح‪.‬‬
  ‫الفخر بذلك‪ .‬أعجبته الفكرة‪ ،‬وكان لحظتها يتحدث‬             ‫أما آخر دواوينه فهو ( ِع َنا ُق المُ ْس َن ِد)‪ ،‬وهو ديوان‬
   ‫عن يمانيته التي يعتز بها‪ ،‬ويدندن حولها متغنيًا‬           ‫حبيب إلى نفسه بمقدار ما هو حبيب إلى نفسي‪،‬‬
     ‫وشاد ًيا‪ .‬ازداد روقانه ووافق على الفور‪ ،‬وبعد‬
    ‫عام بالتمام والكمال جاء شوقي عبد الأمير إلى‬                                ‫وإذا كان الديوان حبيبًا إلى‬
 ‫القاهرة‪ ،‬واحتفت به مؤسسة أروقة مساء الأربعاء‬                                 ‫نفسه كونه يمثل الانعكاس‬
 ‫‪ 6‬فبراير ‪ ،2019‬بحضور حشد كبير من اليمنيين‬
    ‫والعراقيين والمصريين‪ ،‬في‬                                                    ‫الإبداعي لعلاقته الطويلة‬
     ‫مقدمتهم الشاعر والأديب‬                                                   ‫والمثمرة باليمن‪ ،‬فإنه حبيب‬
   ‫الكبير مبارك سالمين رئيس‬                                                ‫إلى نفسي للسبب ذاته‪ ،‬ولكونه‬
‫اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين‪،‬‬                                             ‫يخصني شخصيًّا‪ ،‬فلي علاقة‬
 ‫الذي ألقى الكثير من الأضواء‬
 ‫على حضور شوقي عبد الأمير‬                                                      ‫قوية به‪ ،‬وقد تبازغت تلك‬
   ‫في الثقافة اليمنية‪ ،‬أما الأمير‬                                            ‫العلاقة في نفس اللحظة التي‬
   ‫فقد تجلى في تلك الليلة حتى‬
‫أطرب قلوب اليمنيين وش َّجنها‪،‬‬                                                  ‫عرفت فيها الشاعر الكبير‬
 ‫فاض نهره جما ًل وشغ ًفا وهو‬                                                 ‫شخصيًّا‪ ،‬وعرفني شخصيًّا‪.‬‬
‫ينثر ذكرياته عن عدن وصنعاء‬
‫وشبام حضرموت ودار الحجر‬                                                       ‫لقد تخلقت فكرة الكتاب في‬
                                                                              ‫مربد البصرة بالعراق ظهر‬

                                                             ‫شوقي عبد الأمير‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25