Page 25 - merit 42 jun 2022
P. 25
23 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
هاني الصلوي محمود درويش لا جبين لها..
م ّر ًة رأي ُت فو َق إحدى القمم
أدارت السماء ظهرها فكانت
جبال «نقي ُل الخلا». طائري المشدود إلى عنقي
وهو يتأه ُب للتحليق..
الطبو ُل حني ٌن للرعد فأمسك ُت أجنح َته.
والسف ُح وساد ُة وثن ميت.
صرامة التعامل مع اللغة ،والمثابرة على تخليصها
أحرف المسند فوق المذبح من الهيجانات العاطفية ،والحرص على النأي بها
تشبه هيك ًل عظي ًما لفر ٍس قرمطي. عن التداعيات السائلة ،التي يندر أن تتخلص منها
اشتغالات شعرية ،تتموضع الأمكنة والأشخاص،
قال لي الحج ُر الجبل ُّي؛ أو الأيقوانات سواء كانت آثا ًرا أو سرديات تتناسج
السحاب ُة خضرا ُء مطليّ ٌة بالرماد فيها التواريخ والحقائق بالأساطير ،لا تحول دون
لكن وادي «بنا» يقطع اليم َن إلى فخذين تبلج النصوص في صور ومشاهد بالغة القوة ،فيها
ابتكار ،وفيها قدرة على الإدهاش ،وفيها تحفيز على
ويأك ُل عظا َم ال ُقرى. التفكير والتأمل ،ليس في دلالات ومعاني النص
فحسب ،وليس في منطوقات الأمكنة والشخصيات
في الطريق إلى يافع والأيقونات ومقولاتها كما يكتبها النص فحسب،
رأي ُت ُقبّ ًة لثو ٍر َن َط َق يستجي ُر،
ولكن التفكير والتأمل في الشعر نفسه بما هو
منارة لينبوع، تجربة ،لغة خاصة ،وقدرات إبداعية ،اشتغالات في
وصخو ًرا في صلاة استسقاء مناطق مفارقة .لطالما حفلت مدونة التراث العربي
ترك ُت «نقي َل الخلا» ،وادي « َبنا» ،الثور المق ّدس، بمقولات من نوع “كانت قد بقيت في الشعر زواية
المعبد الحميري والفرس القرمطي
لم يدخلها الشعراء حتى جاء فلان فدخلها” ،لقد
كانوا بالتأكيد يقولون هذا بعد معايشة لنصوص؛
حتم نسقها في سياق زمنهم؛ أن يقال عليها وعلى
شعرائها مثل هذا الكلام .إذ لا يسعك إلا أن تفكر
نفس التفكير وأنت تتأمل تأليه المكان “أدارت
السماء ظهرها فكانت جبال «نقي ُل الخلا»” ،ثم
تتأمل المكان في صورة رسمتها ريشة عبقرية “لكن
وادي «بنا» يقطع اليم َن إلى فخذين ويأك ُل عظا َم
ال ُقرى” ،ثم تتأمل تماثل الأيقونتين التاريخيتين
“أحرف المسند فوق المذبح تشبه هيك ًل عظي ًما
لفر ٍس قرمطي” ،وتتأمل الأيقونة الأكثر تما ًّسا
بالفضاء الروحي للناس“ ،رأي ُت ُقبّ ًة لثو ٍر َن َط َق
يستجي ُر” .فهذا نص من نصوص انتظمها هذا
الاشتغال المؤثث برغبة غير عادية في كتابة ما
يبقى .ويلفتنا أنه فيما ينضد الشاعر نصه بجمالية
متفردة ،فإنه لا يبدو مشغو ًل بغير المنطوقات
الفاعلة في الذاكرة ،وفي الوجدان الجمعي لتلك
المفردات ،لنتأمل ذلك كله عبر نص (في الطريق إلى
يافع) إلى سالم صالح محمد: