Page 22 - merit 42 jun 2022
P. 22

‫من الاقتصاد‪ ،‬رغم مواضيعها الكبرى‪،‬‬                                ‫صرامة التعامل مع اللغة‪ ،‬والمثابرة‬
‫وتخالجها بين ثقافات متباعدة‪ :‬الماضي‬

    ‫والحاضر‪ ،‬الثقافة العربية والثقافة‬                                  ‫على تخليصها من الهيجانات‬
 ‫الأوروبية (الفرنسية تحدي ًدا)‪ ،‬ورغم‬                             ‫العاطفية‪ ،‬والحرص على النأي بها‬
‫إغواء الزخم الأسطوري الذي يتمتع به‬

‫التاريخ القديم‪ ،‬إلا أن الشاعر يوازن لغة‬                          ‫عن التداعيات السائلة‪ ،‬التي يندر أن‬
 ‫الخطاب‪ ،‬وينظم جملتها‪ ،‬مؤ ِّز ًرا بثقافة‬                            ‫تتخلص منها اشتغالات شعرية‪،‬‬
 ‫واسعة وخبرة كتابية مكينة‪ ،‬واشتغال‬

  ‫دؤوب على تجويد نصه‪ ،‬الذي لا تنقطع‬                                      ‫تتموضع الأمكنة والأشخاص‪ ،‬أو‬
‫علاقته به كما ذكرت ساب ًقا‪ ،‬وهو يستنفر‬                           ‫الأيقوانات سواء كانت آثاًرا أو سرديات‬

‫كل قدراته من أجل كتابة نص يجمع بين‬

‫التأمل وتفجير طاقات اللغة‪ ،‬لتكون الثمرة‬                                 ‫تتناسج فيها التواريخ والحقائق‬
   ‫نص دهشة يتجاوز ما اعتدنا عليه من‬                              ‫بالأساطير‪ ،‬لا تحول دون تبلج النصوص‬

 ‫كتابات شعرية تقف عند حدود الانطباع‬

‫اللحظي‪ ،‬أو تتغيَّا مجرد توثيق الحالة‪،‬‬                            ‫في صور ومشاهد بالغة القوة‪ ،‬فيها‬
                ‫لنتأمل قوله‪:‬‬
    ‫رأي ُت جبا ًل ُتقتس ُم كالخبز‬                                ‫ابتكار‪ ،‬وفيها قدرة على الإدهاش‪.‬‬
‫رأي ُت يمنيين يقضمون الحقول‬
‫من أجل قبضة أطياف‪.‬‬
‫رأي ُت إلاه ًة يمني ًة تمسك بأردان القرى‬
               ‫التي ُيع ِّريها التيار‪.‬‬                            ‫كما في حالة النصوص‪ ،‬الأول (رأيت جبا ًل ُتقتس ُم‬
                    ‫رأي ُت جب ًل من الضباب‬                         ‫كالخبز‪ ،‬إلى عبد العزيز المقالح)‪ ،‬والثاني (وصايا‬
                        ‫يتناز ُل لعيني طفل‪.‬‬                        ‫مملك ٍة ستجيء‪ ،‬إلى إمرئ القيس)‪ ،‬والخامس (في‬
                        ‫رأي ْت ك ْر ًما بعناقيد‬                     ‫الطريق إلى يافع‪ -‬نقيل الخلا‪ ،‬إلى سالم صالح)‪.‬‬

                ‫من َحلمات إلاهات الإغريق‪.‬‬                            ‫ومنها ما يتثاقف معه‪ ،‬كما في حالة النصوص‪،‬‬
                ‫رأي ُت الرياح الجبلية القديمة‬                            ‫الثالث (صنعاء‪ ،‬إلى جبار ياسين)‪ ،‬والرابع‬

                       ‫في تجاعيد النظرات‪.‬‬                          ‫(حضرموت‪ ،‬إلى برنار نويل)‪ ،‬والسادس (عدن‪-‬‬
     ‫رأي ُت ال ُهده َد ُيعش ِع ُش في أنقاض ِحكم ٍة‪.‬‬              ‫المعسكر‪ ،‬إلى رامبو بعد مئة عام وإلى جعفر حسن)‪،‬‬
     ‫رأي ُت مغارة الأشياء في الجب ِل الأعض ِب‪.‬‬                    ‫والخامس عشر (الاحتمال وحده‪ ،‬إلى نور سيف)‪،‬‬
‫رأي ُت خراطي َم ِفيل ٍة تركها أبره ُة في باب اليمن‪.‬‬
                                                                     ‫والثاني والعشرين (أُحفو ٌر يمن ٌّي‪ ،‬إلى فالح عبد‬
                      ‫ورأي ُت عيون غربيين‬                                                               ‫الجبار)‪.‬‬
      ‫تج ُّر وراءها عربات ال ِذكر الكولونيالية‪.‬‬
                                                                       ‫تشعر وأنت تقرأ نصوص الديوان أن الشعر‬
                                  ‫أو قوله‪:‬‬                              ‫في كتابة شوقي عبد الأمير نوع من التعبد‪،‬‬
                   ‫لمانمريأقٍةتنم ُخصتوطما ٍةئركااللنُعبرَّوةي؟‬      ‫فنصه يتميز ب َن َف ٍس تتأله فيه الطبيعة وجيراننا‬
               ‫ضعي أظافر ِك في مخبأ الليل‬                           ‫فيها‪ ،‬وتتأله مآثر الإنسان القديمة‪ ،‬وعلى شاكلة‬

‫النصوص الدينية التي شكلت مداميك وعي الانسان أطليها باللازورد من سما ِء سبأ‬
‫وج َّذرت وجدانه‪ ،‬تنكتب نصوص الديوان‪ ،‬والفارق وأرفعي حجارة الله‬

‫عن رقبة المسند‪.‬‬                                                  ‫فقط‪ ،‬أنها تنكتب من خلال لغة فيها قدر كبير‬
   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27