Page 30 - merit 42 jun 2022
P. 30
العـدد 42 28
يونيو ٢٠٢2
دونها ،بعد أن كانت مكا ًنا للطبقة الأرستقراطية، الآخرين ،وممارسة لعبة المغامرة مع السلطة ،هنا
فالعمارة الواحدة تجتمع فيها كل شرائح المجتمع يتخلى السرد عن الحديث عن البنات بقدر الحديث
المصرى ،دلالة علي أن الحراك الاجتماعي غيَّر عن شخصيات وطنية ،تتعاطف مع المظلومين
الموازين الثابتة بين الطبقات. والضعفاء ،فتتوثق العلاقة بينهن خارج قسم
البوليس والحجز ،ويصرن جز ًءا من البنات اللائى
هل تحررت شخصيات «هبات ساخنة»؟ يجتمعن في شقة سلمى بوسط البلد ،يقفز الزمن
لم تتحرر المرأة تما ًما في هذه الرواية ،بل إن من الآنى المعاصر إلى الماضي ،فيكون الحديث عن
بعضهن يقعن في براثن الآخر ،ويستسلمن «إيزاك ديكسون» وعلاقته بالفنانات :تحية كاريوكا
لمصيرهن بداية من سلمى الساردة ،سلطانة،
سميحة ،الخطاب السردى في هبات ساخنة ينفتح وسامية جمال وفيروز وغيرهن.
على اشتباك قوى بين قضايا تهتم باستلاب المرأة، حرصت الكاتبة -رغم تشظى الحكاية -على التبئير
وتهميش كيانها ،واختزال وجودها ،إضافة إلي
الابتزاز ،وتغييب وعيها داخل سراديب الجسد لحيوات البنات المتنوعة ،ثم تقاطعاتها وارتدادها
كما يراه الرجل ،وكما تهوى ذائقته الذكورية .إن للماضي ،ليس ماضي الشخصية ،وإنما ماضي
سقوط المرأة لا يأتى علي يد الرجل فقط ،بل تشارك المكان ،وسط البلد بجغرافيته المتنوعة التى تتحرك
المرأة ذاتها في هذا السقوط ،وهو ما تعانيه غالبية
نساء «هبات ساخنة» .أفلتت من هذا المصير “بزادة فيها الشخصيات ،تنسج الحكايات ،تناقضها
هانم” المنتمية للماضى ،فهى تعيش حياتها كما ومقابلتها بحكايات أخرى ،كان لا بد من ظهور
تريد ،تدرك أنها تحيا في زمن غير زمانها ،وتنفتح
علي عوالم وحيوات البنات من خلال لقاءاتها بهن شخصية الأم الحكاءة التى تعيش في الماضي
أو سماع حكاياتهن من ابنتها سلمى ،لا تعترف وتحيا مأزق انفصالها عن التطورات التي تتسارع
بقسوة الزمن ،بل تعيش لحظتها كما تحب. حولها ،وتعمد الكاتبة إلى رسم بيئة فضائية تناسب
تتبنى سلمى الساردة نظرة ذكورية للمرأة ،في السمات الداخلية لهذه المرأة ،تجعلها تتعاطف مع
محاولة معرفة ماذا يحدث لها قائلة“ :أنا أعيش
مأساة اليأس ،لا تغضبن أيتها الصديقات أو البنات.
اغضبن»“ ،أنا امرأة كسرت حاجز الأربعين، اتكأ الخطاب السردي علي سمات وظيفتها
انقطعت دورتي الشهرية ،أعيش مأساة سن تشويق المتلقي ،وتحفيزه علي متابعة القراءة ،لعل
اليأس» .اليأس هنا ليس داخليًّا ،بيولوجيًّا كما أهمها تصوير الحركة الثقافية للأدباء والفنايين
يبدو ،لكنه يأس خارجى ينعكس على المرأة ،يأس التشكيليين والموسيقيين ،نقل بعض الحوارات ،أو
من عدم وجود علاقات سوية بين الرجل والمرأة سرد أصداء لحكايات يعرفها كل من يتردد علي
سواء في العمل أو في الحياة العاطفية ،تفلح تلك مقاهى وسط البلد ،كما حرصت على تطعيم السرد
الفتاة الفقيرة التى أجبرت على ممارسة «البغاء» بكم من النكات والعبارات ذات الايحاءات الجنسية،
بتحريض من جدتها ،عندما تجد من يحبها، الكشف ع َّما يدور بين الرجل والمرأة أثناء الممارسة
وينتشلها من استغلال جسدها ،فالفقيرات ليس
لديهن رفاهية اليأس الذى يصبه المجتمع ،فالحياة الجنسية دون مواربة.
ومتطلباتها تجعلهن أكثر صلابة ومواجهة. تبحث شخصيات البنات عن التحقق ،لكن هذا
في محاولة التمسك بالأمل ،تنجح سلمى فى تحويل التحقق مرتبط بالبحث عن الآخر الذى يشاركهن
الهبات الساخنة إلى لعبة ،يشترك فيها شمس وقمر الحياة ،ومن ثم فنجاحهن مرتهن بالآخر ،سلطانة
-ابنا صديقتها سلطانة -وأمها ،فما الحياة إلا لعبة، -مث ًل -تظن أنها كبحت جموحها الجنسى بالزواج،
هكذا يتحول اليأس إلى حياة في «هبات ساخنة»
والاستقرار ،والسفر إلى أمريكا حيث الحلم
الطوباوى ،الذى يتحول إلى كابوس.
تمثل سلمى بؤرة الحدث ،منها تتفرع الأحداث،
وإليها تتجمع أخبار صديقاتها ،وكما تصاب المرأة
بالشيخوخة تشيخ الأماكن وتفقد بريقها ،فوسط
البلد يقتحمه شرائح من الطبقة المتوسطة ،وما