Page 274 - merit 42 jun 2022
P. 274

‫العـدد ‪42‬‬                                         ‫‪272‬‬

                                                                                         ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬  ‫أحمد عبيدة‬

‫أنا وعمي في عقل‬
         ‫الفيلسوف‬

    ‫الهرم تمتد الصلات بالسلطة‪،‬‬       ‫بنفسي‪ ،‬مع هذا الخلط أستطيع‬        ‫المكان مصحة نفسية‪ ،‬الزمان‬
       ‫التي هي الدولة والتي هي‬     ‫الاحتفاظ بكافة الاتهامات حاضرة‬
                                   ‫علي الدوام بما لا يسمح أن تطغي‬           ‫ما ٍض لم يزل ھو الحاضر‪..‬‬
 ‫المجتمع‪ ،‬من قاعدة هرمية تجمع‬                                              ‫الفيلسوف منغمس في حوار‬
‫المؤسسة بضحاياها والانتهاكات‪.‬‬           ‫حالتي النفسية على تفكيري‪،‬‬      ‫متلفز‪ ،‬البروفسور ميشال فوكو‬
‫المؤسسة‪ ،‬يالهذا العار الذي يكسو‬    ‫أصبح تبادل الأدوار ممكنًا بعدما‬       ‫يتحدث أمام الكاميرات بطلاقة‬
                                                                            ‫واعدة وله حضور أ َّخاذ في‬
     ‫العالم! مؤسسة علاجية‪ ،‬مع‬           ‫انفصلت رأس الصحفي عن‬             ‫المناظرة‪ ،‬بين السطور ينظر إلي‬
 ‫استخدام القوة تجعلها السلطات‬          ‫رأس الشاعر‪ ،‬فوكو هو الذي‬         ‫الأرض ويخترق أعين محاوريه‬
  ‫مؤسسة عقابية‪ ،‬مستشفي عام‬         ‫يفتش رؤوسنا ثم يحدثنا عن كل‬
                                      ‫هذه الاتهامات كسلطات ضبط‬               ‫قبل النطق بالجملة‪ ،‬أحيا ًنا‬
      ‫للطب النفسي كان حر ًّيا به‬                                            ‫لا نفرق بين السياسة وعلم‬
     ‫تقديم الرعاية الصحية لعمي‬                           ‫مجتمعية‪.‬‬       ‫الاجتماع والفلسفة وعلم النفس‬
  ‫في نهاية الستينيات ثم في بداية‬    ‫اعتقدت أنني في رحلة استكشاف‬           ‫في حديثه‪ ،‬عمي وأنا دراميون‬
‫السبعينيات‪ ،‬أصبحت حاليًا مركز‬                                          ‫ربما ولا نلعب أكثر من شخصية‬
    ‫خاص للاختطاف والاحتجاز‪،‬‬            ‫العالم الآخر‪ ،‬داخل هذا العالم‬    ‫في آن‪ ،‬هو لا يشكو ارتياب وأنا‬
‫كانت على عهد الشاعر مصدر عام‬         ‫مؤسسة‪ ،‬للمؤسسة ضحايا‪ ،‬في‬           ‫لا أشكو الفصام‪ ،‬رغم كل شيء‬
  ‫متجدد للتيار الكهربائي المتردد‪،‬‬     ‫حق الضحايا ترتكب المؤسسة‬         ‫عن الجنون نحن في النهاية نزلاء‬
     ‫ينجو عمي مرة بعد مرة من‬         ‫انتهاكات ممنهجة‪ ،‬إلى أعلى قمة‬          ‫المصحة‪ ،‬صحفي مع شاعر‬
  ‫عبث الخانكة بالرؤوس وينتحر‬                                              ‫وفوكو لا يتركنا بمفردنا لأي‬
 ‫الشاعر للخلاص بعد المرة الثالثة‬
 ‫والأخيرة‪ ،‬وقد صنع أحمد عبيدة‬                                                                  ‫جولة‪.‬‬
  ‫(‪ )1974 -1940‬تابو ًتا بالكتب‬                                           ‫لم يستطع الشاعر الاحتفاظ في‬
     ‫نام أعلاه وأشعل في جسده‬                                           ‫رأسه باهتمامات الكفر والهرطقة‬
                                                                        ‫مطو ًل‪ ،‬أنا لا أتمكن علي الإطلاق‬
                       ‫النيران‪.‬‬                                       ‫من الاحتفاظ في رأسي باهتمامات‬
‫الضحايا حول الخانكة والعباسية‬                                          ‫الجنون‪ ،‬غالبًا لا أستطيع التفكير‬
 ‫وغيرها من المستشفيات لا يمكن‬                                         ‫مع كليات الفلسفة وضبط السلوك‬
                                                                        ‫بوجود مثل هذه الموضوعات في‬
    ‫حصرهم‪ ،‬شعراء ومترجمون‬
     ‫ونشطاء سياسيون اختبروا‬                                               ‫رأسي‪ ،‬لاح ًقا تختلط اتهامات‬
     ‫المؤسسة مع النصف الثاني‬                                             ‫موجهة لعمي بأخري أواجهها‬
   ‫للقرن العشرين‪ ،‬لم يكن ممكنًا‬
   269   270   271   272   273   274   275   276   277   278