Page 85 - merit 42 jun 2022
P. 85
83 إبداع ومبدعون
قصــة
نثر من حوله تلاواتي وأشعاري. إنها تعرف ما تقول ،إلا أنها لا تدرك كيفية تفرع
زمني هو زمن الطفولة المرحة ،ما انفك يرمي معانيه وتكاثرها.
بشظايا الماضي من نوافذه ،بحثًا عن دهشة الصبا
جميع الحالات النفسية :الحزن ،الفرح ،الغضب،
وبراءتها. الانكسار ،الدهشة ،التعجب ،الحيرة ،اليأس ،الأمل،
شريدة أنا ،متصلة إلى حد الفناء بالغربة ،لا وطن
يزور أشجاني ،لا مرسى يحدثها عما تخفيه البحار القلق ،الخوف ،التعلق ،الانفصال ،دوائر جمعتها
من أقطار ،شريدة أنا التشرد التام قد أقمت في عالم بأزمنة وأحداث ما فتأت تغادرها.
الهوامش جميع مدني ،ذلك الذي لم تطأه قدم ،ولم
يسمع عنه أحد ،أغني لنفسي عن نفسي ،أوهمها أن سألتها :كم عمرك ذاتي الكاتبة يا ترى ،متى نشأت،
التشرد قدر لا مفر منه ،أنا الهاربة من كل ضجة أين ولدت ،ممن؟
من ذلك الضوء الإلكتروني الباهت وتلك النصوص
فكان جوابها على النحو الآتي:
المتكررة وذلك الفراغ الجمالي الرهيب ،شريدة، -من الكتب القديمة وتاريخها البعيد ،من أفكار
أراقب هجرة الطيور إلى الأقاصي ،أرنو إلى السماء تبعثرت ،من تجارب متعددة ،من الاعتزال الذي كان
إلى الفضاء إلى الهواء إلى الريح إلى السحب إلى ذلك لا بد منه ،من آهات ،من دروب تعددت ،من بلدان
العلو المتجدد. لا اسم لها.
-ما تكتبينه ،يحكي الوقائع ولا يحكيها كما وقعت، -هل خلقت للكتابة عن النسيان وللحديث عن
بل يصفها من وجهة نظرك ،ما تكتبينه متصل العدم والموت ،أ ليس كذلك؟
بالزمان لكنه يتجاوزه ،ما تكتبينه لا يقتصر على فإذا بي أسمعها كأنها تقول:
سرد حكايتك أو حكاية الآخرين بل يذهب أبعد -من كل ما لا يجدي ولا ينفع ،مما يبعث على
منهما ،ما تكتبينه خيال مجاز استعارة ،وصف الرهبة والخوف ،مما لا يرجى منه شيء ،من كل ما
للممكن للأحداث للمشاعر ،فمن تكوني ،من تكوني؟ يتجاوزني جس ًدا وكيا ًنا وذاكرة وإحسا ًسا.
كأني بك ،لا تحتكمين إلى سنن معينة ،فمن أين لك أنا كوكب من الأقوال والأفعال لم تتشكل بعد،
تحيط بي مدارات مجهولة الجهات ،تزورني الأحلام
بكل هذا الإشعاع؟ في منفاي وكذلك بعض الأفكار الغريبة.
-لا أدري ،ربما من الفجوة التي تفصلني عن ولي طقوس أتبعها ،وأجواء ترسم لي العالم في
الحياة وتجعلني في موقع الشاهدة ،ربما لأنني لم صور لا أحد يلمحها أو يعلم بوجودها.
أخلق من دم ولا من لحم بل من أفكار متواردة، أنا مهندسة الرؤى المتطلعة إلى الغيب ،أحمل بلسم
ربما لانغماسي في التفكير فيما نقوله وما لا نقوله، الجروح بأنواعها الطفيفة منها والعميقة ،تنقله
فيما نأتيه من أفعال وما نمتنع عنه ،فيما نعيشه من كلماتي فتنفذ إلى النفوس كي تضمدها وتشفيها.
أنا الذاكرة المتنكرة في ألف ديباجة وديباجة ،أعيد
أحداث وما نشعر به من أحاسيس. تفكيك الرموز ،أراود المعنى حتى بلوغ العبث دون
-أراك الآن تمشين حذوي ترافقينني في رحلتي خشية السقوط في الجحيم «السيزيفي».
هذه ،تختفين وراء الجمل والكلمات ،تحملين عبء أنا الصورة المتخيلة التي لم ترسم بعد ،حلم
عيوبها وتكلسها ،أسمع حديثك المسترسل الذي قد الكلمات التي لم تعزف ،الحب الذي يشدو دون أن
لا ينقطع حتى بعد انتهاء الرحلة ،فهل أنت صدى يكون صوته مسمو ًعا ولو حتى من الطيور.
لروحي أم قبس لما يتأجج داخلي أم أفكار عابرة أم أنا الغربة في أصلها وفصلها المنقطعة عن كل انتماء،
إرث قديم يتجدد ،من أنت؟ سليلة بلد لم يوجد بعد.
هل تكوني إنسانيتي التي تفكر في نفسها في غربة أنا التيه الذي يرنو إلى معرفة نفسه ،يدور حولها
دون توقف ،لا يصبو إلى الانصهار في ملجأ غير
وعزلة؟
كانت تلك بعض الأسئلة التي طرحتها على ذاتي ذاته وقد أدرك تبدل الأزمان والأمكنة.
أمد يدي كي تمسك جذع النور الذهبي وبريقه وقد
الكاتبة ،دون أن أتلق منها ر ًّدا.