Page 80 - merit 42 jun 2022
P. 80

‫العـدد ‪42‬‬                            ‫‪78‬‬

                                                                 ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬

‫هشام بن الشاوي‬

‫(المغرب)‬

‫لماذا لم تغلقي النافذة؟!‬

    ‫شمس الفرح من تلك النافذة‪ ،‬بعد الحادية عشر‬       ‫لم يكن يعرف أن لحظة نزق‪ ،‬ستجعله يلازم كرسيًّا‬
                  ‫صباحا؛ فــ»لا أحد في النافذة»!‬    ‫شبه كسيح‪ ،‬يستند إلى رف مجوف يحمي الكرسي‬

      ‫في ذلك الصباح الكريه‪ ،‬أشرقت الشمس قبل‬             ‫من الانزلاق‪ ،‬فيتضاعف اكتئابه في هذا المحبس‬
   ‫موعدها‪ ،‬وهو جالس على كرسي بالمقهى المجاور‬             ‫الذي لم يختره؛ متجر تمادى في عدوانه‪ ،‬وهو‬
    ‫له مسرب ًل في الضجر‪ ،‬دلف إلى محله التجاري‪،‬‬       ‫ينهش دواخله‪ ،‬مثل خلايا خبيثة تقتات على سلامه‬
    ‫وقد اجتاحه غضب شيطاني‪ ،‬سدد ركلة بقدمه‪،‬‬             ‫الداخلي‪ ،‬وبدأ يتحايل عليه بقصص حب مبتورة‪،‬‬
   ‫وكان ينتعل الحذاء الثقيل‪ ،‬المسلح بقطعة معدنية‬        ‫لكن هذه المرة شطرته آلام الرحيل إلى نصفين‪.‬‬
                                                     ‫من قبل‪ ،‬كان يواسي نفسه حين تغيب بضعة أيام‪،‬‬
    ‫في مقدمته‪ ،‬وصفيحة معدنية دقيقة في قاعدته‪،‬‬       ‫وهو يردد في صمت أعماقه الصاخبة‪« :‬أنا على يقين‬
  ‫فتطايرت القائمة الرابعة أمامه‪ ،‬معلنة استسلامها‬    ‫تام أن هذه الأبواب والشبابيك الموصدة فنار غيابك‬
                                                    ‫الموحش‪ ،‬لكنني لم أهتد إلى ذلك الباب الموارب‪ ،‬الذي‬
                    ‫الذليل‪ ،‬كقلبه المشروخ حينئذ‪.‬‬    ‫يتسرب منه كل هذا الحزن إلى قلبي؟!»‪ ،‬بيد أن هذه‬
  ‫من مقعده‪ ،‬رآها ‪-‬في ذلك الصباح‪ -‬تضع مكنسة‬           ‫المرة اندلعت نيران أسئلة بغيضة من رماد اللحظة‬
   ‫وسط ًل بلاستيكيًّا وأغرا ًضا أخرى‪ ،‬بعد أن رفع‬     ‫الملتاعة‪« :‬هل سيعض بعض الأسى قلبك في مقامك‬

     ‫زوجها باب السيارة الخلفي‪ .‬أدرك أنها ذاهبة‬                                             ‫الجديد؟!‬
  ‫لتنظيف المسكن الجديد‪ .‬انتهت اللعبة‪ ،‬انتهى هباء‬    ‫في شتاء غيابك الرابع‪ ..‬هل يعلن حارس السعادة(‪)1‬‬
 ‫سرق من عمره عامين‪ ،‬دون أن يدري؛ لا بيت ولا‬
                                                         ‫حزنه‪ ،‬أم ينزوي مثل حيوان جريح‪ ،‬لا تبالين‬
                         ‫أهل‪ ،‬لا حضن ولا مال!‬         ‫بأنينه‪ ،‬بدموع تتسابق كالجياد‪ ،‬ولن ينشغل قلبه‬
‫المرأة التي كانت تسكن قبلها في نفس الشقة‪ ،‬انتقلت‬
‫وزوجها البخيل إلى مدينة أخرى‪ ،‬بعد انتهاء أشغال‬                           ‫بتلفيق أكاذيب لتلك العبرات؟‬
                                                         ‫الحياة لم تعد تختبئ خلف ذلك الشارع‪ ،‬ومع‬
  ‫بناء الفيللا‪ .‬حتما‪ ،‬ستأتي أخرى‪ ،‬وربما‪ ،‬تمارس‬         ‫ذلك ما زال الفؤاد يتلصص بحثًا عن طيف نؤوم‬
‫معه نفس اللعبة‪ ،‬وبعد بناء البيت‪ ،‬تغادر هذه الشقة‬    ‫الضحى‪ ،‬كأنما يحن إلى طفولة الألم‪ ،‬إلى شهقة بكر‪،‬‬

  ‫المباركة‪ .‬ناحت يمامة قلبه في توجع‪ ،‬لأن عصافير‬                             ‫محاص ًرا بكل هذا الغياب‪.‬‬
 ‫الفرح لن تطير من تلك النافذة‪ ،‬وتحط على أغصان‬          ‫وقف على الرصيف‪ ،‬وهو يرنو إلى نافذة مشرعة‬
                                                      ‫مثل جرح نازف‪ ،‬وقد أيقن ألا شيء سيحفزه على‬
      ‫شجرة أيام ينهشها سرطان السأم‪« :‬اللعنة‪..‬‬           ‫مغادرة محبسه‪ ،‬بعد رحيلها‪ ..‬لن ينتظر شروق‬
    ‫لماذا لم تغلق نافذتها‪ ،‬وتركت هذا الغياب يمزق‬
   ‫الأحشاء؟! سح ًقا لكم جميعا‪ ،‬يا أبناء بوتين(‪.»)2‬‬
  ‫لم ينتبه إلى جاره البقال‪ ،‬الذي جلس على الكرسي‬
   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85