Page 84 - merit 42 jun 2022
P. 84
العـدد 42 82
يونيو ٢٠٢2
كاهنة عباس
(تونس)
ذاتي الكاتبة
تجرد ْت من كل لباس ونزعت كل الأقنعة ،استغنت
عن كل الأدوار ،محت كل التواريخ ثم حلَّقت خارج
كل المعاني القديمة والحديثة.
أضحت غريبة عن الديار والأمكنة ،اختارت ألا
تحمل اس ًما ولا لقبًا ،تخلصت من عبء حكايتها
الذاتية ،تحررت من كل الأهواء والأهداف ،لم يعد
لها من مبتغى سوى الصفاء.
كانت الحضور ثم الغياب في دورتهما المستمرة،
عسى أن تدرك البصيرة التي بها تبصر ،فتصبح
النور ومنبعه في نفس الآونة.
ليس لها صوت ولا تتقن الغناء ولا العزف ،تجهل
حروف الموسيقى ،إلا أنها تملك القدرة على سماع
ما لا يسمع ،سواء أثناء اليقظة أو في المنام أو عند
التأمل أو ما شابهها.
ليس لحبيبها وجه معلوم تحن إليه أو تتذكره ،لها
إمكانية الحلول في أي مكان أو زمان بفعل ذلك
الانبلاج المعروف لدى الأحبة.
هائمة دائ ًما وأب ًدا ،مخمورة لا تنام ولا تصحو،
مفتونة ،بكل ما لم يأسرها ،بكل ظاهرة تلوح
وتختفي ،بكل إشارة أو علامة أو كلمة تبين المعنى
كي تنفيه أو تلغيه أو تعيد النظر فيه.
لا تحمل من أساطير الروح شيئًا ،لا ما قيل
عنها ولا ما ذكر ،تدرك ما يتجاوز الأبعاد الثلاثة
بالحدس المحض ،تتطلع إلى الغيب بواسطة الرؤيا
وتسكن تلك المنطقة السابقة لنشأة التاريخ واللغة.
ما تكتبه أو تقوله من باب الاستعارة ليس إلا ،هو
تشبيه لحقيقة أخرى ،كل أوصافها ظلال لمعنى
مغيب ،كل حكاياتها نسج من الخيال قصد الإشارة
إلى لغة أخرى.