Page 96 - merit 42 jun 2022
P. 96

‫العـدد ‪42‬‬          ‫‪94‬‬

                                                    ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬

 ‫الكاتبة للحدث الشخصي «دخولها المدرسة» بمثابة‬       ‫هانز جورج جادامير‬  ‫ميشال بوتور‬
   ‫الانتقال من مرحلة إلى أخرى أكثر وعيًا ومعرفة‬
                                  ‫بالعالم المحيط‪.‬‬        ‫النص السردي نفسه‪ ،‬بمعنى أنه يتشكل ممن‬
     ‫ثم تحاول الانتقال بالزمن من لحظة السرد في‬       ‫خلال تطور أحداث السرد داخل الرواية‪ ،‬فنلاحظ‬
     ‫الزمن الراهن وهي تحكي للمروي له زياد عن‬          ‫أن الكاتب وحيد الطويلة‪ ،‬لم يكترث كثي ًرا بالزمن‬
  ‫أبيه‪ ،‬ثم تنتقل إلى استدعاء الزمن الماضي بطريقة‬    ‫الطبيعي الخارجي‪ ،‬بل حاول تفتيت الزمن الروائي‪،‬‬
                                                     ‫حيث تتماهى الأحداث والوقائع وتتشابك الرؤى‪،‬‬
 ‫مباشرة إلى الحديث عن الأب أحمد الذي كان عمره‬        ‫فهو يطرح الحكاية داخل إطار زمني واسع وممتد‬
 ‫أكبر من عمرها –الأم‪ -‬بعشرين عا ًما‪ ،‬فتقول الذات‬      ‫من ذكريات الماضي على لسان البطل «مطاع» في‬

   ‫الساردة‪« :‬عندما كان أبوك‪ ،‬يبدأ مغامراته شر ًقا‬        ‫تماس واضح مع ذكريات المرأة زوج الضابط‬
    ‫وغر ًبا‪ ،‬كنت بالكاد أحبو‪ ،‬تستطيع أن تصل إلى‬        ‫«مأمون» هذا من جانب‪ ،‬أما الجانب الآخر وهو‬
   ‫هذه الحقيقة بطرح سنوات عمري من عمره»(‪،)9‬‬
   ‫تبدو صورة الزمن واضحة حيث الفارق الواسع‬               ‫الزمن السردي داخل فعل الكتابة نفسه الذي‬
   ‫بين الأب‪ ،‬والأم‪ ،‬والابن‪ ،‬كيف لبنت في العشرين‬        ‫صنعه الكاتب نفسه‪ ،‬فنكتشف أن الرواية تحمل‬
   ‫أن تتزوج رج ًل في الخمسين من عمره‪ ،‬فتحاول‬
    ‫الكاتبة أن تطرح أسئلة جوهرية في وجه الزمن‪:‬‬                                ‫أزمنة سريعة متوالية‪.‬‬
   ‫لماذا حدثت هذه الزيجة؟ وكيف حدث ذلك اللقاء‬
                                                               ‫التداخل الزمني‬
        ‫المتناقض؟ فالزمن كان عام ًل رئي ًسا لفقدان‬
   ‫التلاقي الفكري والوجداني بين أحمد‪ ،‬والساردة‬          ‫اتكأت الكاتبة على بنى التداخل الزمني‪ ،‬وأعني‬
 ‫في الرواية‪ ،‬على الرغم من أنها كانت شخصية تعبر‬           ‫الوقوف على أكثر من زمن في المشهد السردي‬
                                                     ‫الواحد‪ ،‬فتربط الكاتبة بين بداية الحرب في العراق‬
     ‫الزمن بجسدها‪ ،‬وصلابة روحها‪ ،‬فإنها تقبض‬           ‫مع إيران ودخولها المدرسة‪ ،‬وهي لحظة تاريخية‬
   ‫على السنوات قبل أن تفر‪ .‬فتخلد إلى الماضي‪ ،‬كي‬          ‫تجسد الزمن كبنية منفرطة من جهة‪ ،‬والزمن‬
‫تستعيد مواقف شخصية مختلفة‪ ،‬فتربط بين مرض‬                 ‫الموازي للأحداث‪ ،‬فيكشف السرد عن صورة‬
‫زياد‪ ،‬وأحداث السرد التي تستعيدها‪ /‬فتقول الذات‬           ‫الحرب التي استمرت عدة سنوات‪ ،‬بينما تؤرخ‬
 ‫الساردة مخاطبة زياد نفسه بعد رحيله‪« :‬أصبحت‬
   ‫صدمة مرضك حد ًثا ماضيًا‪ ،‬ككل الأحداث‪ ،‬لكنه‬
  ‫لا يأخذ لون الحنين‪ ،‬لا أستحضره بألفة‪ ،‬يفقدني‬
   ‫إيماني‪ ،‬وتريثي‪ ،‬ولا أركن إليه لاحتمال الحاضر‬
    ‫والثقة في المستقبل‪ ،‬لنوغل م ًعا في الماضي الذي‬
   ‫صار أبيض الآن‪ ،‬إذا ما قارنته بماض َّي القريب‪،‬‬
 ‫سأظل أحدثك بصمت‪ ،‬ما دم َت قد أصبحت تضجر‬
 ‫من الحوار‪ ،‬وتسمع الكلمات بأصداء معدنية‪ ،‬لهذه‬
‫الطريقة مفعولها السحري فلا تقلق‪ ،‬ستهبك كلماتي‬
  ‫الصامتة المحبة‪ ،‬وجرعة من الصبر والتفاؤل»(‪،)10‬‬
  ‫تلجأ الذات إلى الماضي الأبيض الذي صار حقيقة‬
 ‫وانتهى‪ ،‬فعلى الرغم من هدوئها للعيش في الماضي‪،‬‬
  ‫فإنها لا تريد أن تستعيد ذكرياته القاسية وآلامه‪،‬‬

      ‫وبالتالي فإن الكاتبة تقوم بتمزيق الماضي إلى‬
 ‫جزئيات صغيرة‪ ،‬فتركن إلى بياضه وهدوء بعضه‬

   ‫ولا تريد أن تلتفت إلى قسوته وآلامه‪ .‬ويمكن أن‬
   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101