Page 97 - merit 42 jun 2022
P. 97

‫كيف حدث ذلك اللقاء‬                         ‫نلاحظ صوت الزمنية متداخ ًل مع صوت‬
                                                              ‫الساردة في استخدامها للأفعال الزمنية‬
         ‫المتناقض؟ فالزمن كان عامًل‬                             ‫مثل (سأظل أحدثك‪ ،‬ستهبك‪ ،‬تسمع)‪،‬‬
                                                                 ‫جل الأفعال السابقة تضرب في ثلاثة‬
        ‫رئي ًسا لفقدان التلاقي الفكري‬                         ‫أزمنة متناقضة ومتتابعة أي ًضا‪ :‬الماضي‬
      ‫والوجداني بين أحمد‪ ،‬والساردة‬                             ‫والحاضر والمستقبل‪ .‬فصار الزمن هو‬
                                                                ‫المحرك الرئيسي للسرد داخل الرواية‬
       ‫في الرواية‪ ،‬على الرغم من أنها‬
                                                           ‫وكأن الزمن هو الغطاء الكبير‪ /‬البطل الذي‬
             ‫كانت شخصية تعبر الزمن‬                                      ‫تدور حوله الكتابة السردية‪.‬‬

              ‫بجسدها‪ ،‬وصلابة روحها‪،‬‬                               ‫الالتفات الزمني‬

            ‫فإنها تقبض على السنوات‬                            ‫يبدو الالتفات في البلاغة العربية مفهو ًما‬
                                                               ‫متعل ًقا بتحولات الضمائر‪ ،‬ومن المتكلم‬
       ‫قبل أن تفر‪ .‬فتخلد إلى الماضي‪،‬‬
                                                            ‫إلى الغائب والمخاطب‪ ،‬وقد أشارت المعاجم‬
         ‫كي تستعيد مواقف شخصية‬                                    ‫إلى مفهوم الالتفات بشكل تأسيسي‬

       ‫مختلفة‪ ،‬فتربط بين مرض زياد‪،‬‬                            ‫للظاهرة في الأدب «لأن للالتفات مفاهيم‬
                                                       ‫عدة‪ ،‬فاختلفت تسمية الالتفات باختلاف النحاة‬
      ‫وأحداث السرد التي تستعيدها‪.‬‬                        ‫القدامى الذين تطرقوا لهذا الأسلوب‪ .‬التسمية‬
                                                    ‫المتعارف عليها اليوم هي «الالتفات»‪ ،‬ويرجع أصل‬
           ‫تعودان‪ ،‬يا زياد حليقي الرأس تما ًما‪ ،‬لا‬    ‫تسمية المصطلح البلاغي بالالتفات إلى الأصمع ّي‪.‬‬
 ‫أعرف كيف تبادر إلى ذهن هادي هذه الفكرة‪ ،‬أفتح‬          ‫والالتفات في اصطلاح البلاغيين هو التحويل في‬
                                                        ‫التعبير الكلامي من اتجاه إلى آخر‪ .‬واللفت لغ ًة‬
  ‫فمي على آخره مندهشة‪ ،‬فيضحك وتضحك معه‪،‬‬                ‫يعني الصرف‪ ،‬لفت وجهه عن فلان‪ :‬أي صرفه‬
  ‫ويقول‪ :‬حلق الشعر زلبطة موضة دي الوقت‪ ،‬كل‬             ‫عنه‪ ،‬والتفت إليه‪ :‬أي صرف وجهه إليه‪ .‬وسمي‬
  ‫لعيبة الكورة المشهورين بيعملوا كده»‪ ،‬كيف وجد‬        ‫بأسماء أخرى منها «الترك والتحويل» التي تعود‬
‫مخر ًجا مما كنت أخشاه منذ أن بدأت تتناول حبوب‬        ‫للنحو ِّي أبي عبيدة معمر بن المثنى والذي يع ُّد من‬
   ‫الكيمياوي‪ ،‬ظللت أحمل هم سقوط شعرك‪ .‬أرتب‬          ‫أوائل النحويين الذين تحدثوا عن الالتفات في كتابه‬
‫الكلمات التي يجب أن أقولها لك دون غيرها‪ ،‬لأهون‬         ‫«مجاز القرآن»‪ .‬كما سمى أبي زكريا الف َّراء هذه‬
                                                        ‫الطريقة اللغوية باسم «الانتقال»‪ ،‬أخي ًرا ُسميت‬
                                      ‫الأمر»(‪.)12‬‬   ‫باسم «محاسن الكلام» بواسطة ابن المعتز في كتابه‬
 ‫تتجلى صورة الالتفات الزمني من خلال استخدام‬           ‫«البديع»‪ .‬أما في اللغات الأخرى ومنها الإنجليزية‬
                                                        ‫فكلمة «‪ »Enallage‬هي كلمة من أصل إغريقي‬
     ‫الكاتبة لثلاثة أفعال تحمل ضمائر تحويلية في‬
     ‫السرد مثل (يدق تعودان أعر ُف تبادر يضحك‬                                    ‫تعني الاستبدال»(‪.)11‬‬
   ‫تضحك‪ )..‬حيث تبدو صورة الالتفات بارزة من‬          ‫ومن ثم يمكن لنا أن نوظف الالتفات بوصفه تقنية‬
   ‫خلال التدفق الزمني التحويلي من زمن إلى زمن‬       ‫فنية‪ ،‬مشغولة بالالتفات الزمني‪ ،‬فيمكن للسارد أن‬
 ‫آخر يدق الباب‪ ،‬تعودان‪ ،‬نلاحظ أن الذات مشغولة‬
  ‫بأزمنة متداخلة تتحول من نقطة إلى أخرى تح ُّو ًل‬     ‫يستخدم زمنين في وقت واحد من خلال الحديث‬
‫سري ًعا‪ ،‬حيث ترتبك الذات للحدث الأكبر هو سقوط‬           ‫المضمر عن الشخصيات المستدعاة داخل النص‬
 ‫شعر زياد‪ ،‬كيف سيتحمل الطفل هذا الألم النفسي‬              ‫السردي فتقول الذات الساردة‪« :‬يدق الباب‪،‬‬
‫الشديد‪ .‬وتكمن العلاقة الجوهرية بين الفعل أعر ُف‪،‬‬
 ‫وتبادر بين المضارع والماضي‪ ،‬بين الزمن الطبيعي‬

       ‫والزمن المشتبك بالحدث الداخلي للشخصية‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102