Page 102 - merit 42 jun 2022
P. 102

‫العـدد ‪42‬‬   ‫‪100‬‬

                                                      ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬

‫جزء‪ .‬لم أكن أقرأ ككل مرة للاستمتاع‪ ،‬كنت أدخل‬          ‫تجربتي الفاشلة في أدب الرسائل‪ .‬كان التوصل إلى‬
  ‫نسيج العمل لأرى كيفية صناعته‪ ،‬كيف تقاطعت‬             ‫هذا الحل بمثابة ربطي بأحزمة قوية إلى صاروخ‬
 ‫السدة واللحمة فيه‪ .‬أدركت ‪-‬بينما عيناي تلتهمان‬            ‫وإطلاقي إلى الفضاء‪ ،‬وبجهل كامل عن الكتابة‬
      ‫الأحداث‪ -‬أن الشروع في نسج قصة مثله لا‬                ‫أمسكت بالورقة والقلم‪ .‬ظللت أخطط الورقة‪..‬‬
   ‫يحتاج إلا للتعبير عما نشعر به‪ ،‬سواء كان كذ ًبا‬         ‫لا أعرف من أين أبدأ‪ .‬عند ابتعادي عن الورقة‬
  ‫أو حقيقة‪ .‬لم تكن بالنسبة إل َّي فكرة أن أكتب مثل‬    ‫وقيامي بأعمال البيت تأتي الكلمات والفكرة‪ ،‬أكتب‬
  ‫تشيكوف نط ًحا في الصخر‪ ،‬لأنني على الرغم من‬
                                                      ‫على الهواء أثناء غسل الصحون‪ ،‬ومسح البوتاجاز‪،‬‬
‫قراءة الكثير من الروايات العالمية فترة الجامعة‪ ،‬لم‬        ‫وترتيب الفوضى‪ ،‬وكلما جلست لاعتقالها على‬
‫تقع رواية أو قصة قصيرة له بين يد َّي‪ ،‬ولم أعرف‬                         ‫الورق لا أجد شيئًا» (ص‪.)277‬‬
                                                         ‫تعرض الكاتبة رؤية ساردتها «منى» لموضوعة‬
    ‫عن موهبته شيئًا‪ ،‬بل لم أقرأ عن شهرته كلمة»‬
                                    ‫(ص‪.)278‬‬           ‫«الكتابة» كيف غامرت بالدخول في هذا العالم رغم‬
                                                      ‫عدم امتلاكها لأدوات حقيقية تؤهلها لاجتراح فعل‬
   ‫وتأخذ الجوائز الأدبية التي حصلت الكاتبة على‬
 ‫بعضها فيما بعد بع ًدا مه ًّما بالنسبة لها منذ بداية‬      ‫الكتابة‪ ،‬لكنها غامرت ودخلت هذا العالم بجرأة‬
  ‫مشوارها‪ ،‬فكما غامرت بالدخول في عالم الكتابة‬           ‫وبساطة‪ ،‬بل استدعت نصيحة مدرسة الرسم في‬
                                                       ‫المدرسة الابتدائية التي وجدتها فاشلة في الرسم‪،‬‬
    ‫دون إعداد كاف وكتبت القصص وداومت على‬
    ‫نشرها في الجرائد والمجلات دخلت أي ًضا عالم‬            ‫فنصحتها أن ترسم المنظور والمرئي‪ ،‬أن ترسم‬
     ‫كتابة الطفل دون إعداد كاف‪ ،‬تقول على لسان‬               ‫الأشياء المادية المنظورة‪« :‬كانت الكتابة أشبه‬
    ‫ساردتها‪« :‬بدأ الأمر يأخذ سمت الجدية لهدف‬
   ‫انتهازي محض‪ ،‬عندما رأيت إعلا ًنا عن مسابقة‬         ‫بتمرين في الرسم‪ ..‬بدأت في كتابة الأشياء المنظورة‬
                                                        ‫فقط‪ ،‬لم يكن ما أكتبه قصة ولا شع ًرا ولا مقا ًل‪.‬‬
       ‫سوزان مبارك في أدب الطفل‪ ،‬لم أكن أطمح‬
   ‫وقتذاك إلا في قيمة الجائزة المادية التي بدت لي‬      ‫كان مزي ًجا من اللاشيء‪ .‬وبهمة شديدة كتبت عن‬
  ‫معقولة‪ ،‬وهي تعينني على صعوبة المعيشة‪ .‬ظللت‬             ‫الذكورة في المجتمع‪ ،‬وعن إهمال البلدية تنظيف‬
   ‫لأسابيع لا أعرف كيف تتم صياغة قصة‪ .‬كيف‬               ‫الشوارع‪ ،‬وعن علاقة الزوج بزوجته‪ .‬كتبت عما‬
 ‫تبدأ وكيف تنتهي‪ .‬وكيف أصل لدرجة إقناع طفل‬               ‫أراه كله‪ .‬كلما انتهيت من كتابة موضوع أضعه‬
                                                         ‫داخل دوسيه خصصته بفخر داخلي لحفظه‪ .‬ثم‬
                           ‫بما سأكتب» (‪.)279‬‬
   ‫وهكذا صارت الكتابة بالنسبة لها ليست مجرد‬           ‫أبدأ في التفكير في الموضوع التالي‪ ..‬إذا أخفقت عند‬
  ‫مغامرة‪ ،‬بل مشرو ًعا تسعى خلفه‪ ،‬وما دفعها إلى‬         ‫الجلوس لكتابته أشعر بصهد ينضح من مسامي‪،‬‬
  ‫الإصرار عليه هو غواية الكتابة‪ ،‬غواية أن تسكب‬         ‫لا تستقر روحي حتى أفرغه وأستريح‪ ..‬اكتشفت‬
     ‫ذاتك على ورق‪« :‬أرسلت نس ًخا من القصص‪..‬‬           ‫أن الكتابة عن الأشياء غير المنظورة تمنحنا القدرة‬
    ‫وأثناء انتظار النتيجة كنت على قناعة بأنني لم‬
                                                          ‫على التخيل بمعناه الواسع المطلق» (ص‪.)278‬‬
      ‫أخلق إلا قاصة‪ ،‬وظللت أحلم بقيمة الجائزة‪،‬‬           ‫تواصل الحديث في سرديات متلاحقة عن كيفية‬
       ‫وشرعت‪ ،‬لألهي نفسي عن الانتظار‪ ،‬بكتابة‬           ‫ولوجها عالم الكتابة‪ ،‬فتلح في هذه السرديات على‬
      ‫القصص دون أن أمنح نفسي برهة للتوقف‬              ‫بدايات المشوار الذي أوصل روايتها محل الدراسة‬
 ‫ومراجعة ما كتبته‪ .‬عندما ظهرت النتيجة بعد عدة‬             ‫أن تحصل على جائزة ساويرس وأن تصل إلى‬
  ‫أشهر لم أكن من الفائزين‪ ،‬لكن بات من الصعب‬               ‫القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية‪ ،‬وكأنها‬
  ‫التخلي عن الفكرة‪ ..‬أما الاستمرار فربما عائد إلى‬        ‫تريد أن تكشف للقارئ تفاصيل البدايات لتؤكد‬
 ‫غواية الكتابة نفسها‪ ،‬جميل أن تختلي بنفسك على‬          ‫أنها ليست طارئة على «الكتابة»‪« :‬انتهى الأمر بي‬

                              ‫ورقة» (ص‪.)280‬‬               ‫إلى كتابة القصة‪ ،‬بعد أن قرأت قصة «الرهان»‬
   ‫وعرفت ساردتها سر اللعبة‪ ،‬وواصلت الإلحاح‬                ‫لتشيكوف بالمصادفة في جريدة قديمة‪ ..‬تتبعت‬
                                                         ‫طريقته في نسج الأحداث حتى وصلت إلى آخر‬
   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107