Page 104 - merit 42 jun 2022
P. 104

‫العـدد ‪42‬‬   ‫‪102‬‬

                                                    ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬

       ‫بفكرة الكتابة عن حدود البيت لجأ أحمد إلى‬      ‫التزحزح من مكاني ومه ِّددة بكسر زجاجات مياه‬
     ‫أخوتي ليستعديهم ضدي‪ ،‬ويوقف نزيف القلم‬                    ‫الثلاجة على بلاط الصالة قبل أن أعرف‪:‬‬
    ‫على أوراقي‪ ،‬قال إن تصرفي غير مقبول‪ ،‬مس ِّف ًها‬                                     ‫هوا أنا بنت؟‬
    ‫من قدرتي على كتابة القصص‪ ،‬عندما اتصل بي‬                             ‫جاء جوابها ُمري ًحا هذه المرة‪:‬‬
 ‫حسين ليقنعني أن الانشغال بالكتابة انصراف عن‬
 ‫ذكر الله‪ ،‬وفيه إهمال لبيتي وأولادي‪ ..‬وكنت أدرك‬          ‫أيوة‪ ..‬أن ِت بنت‪ ،‬لابسة حلق جميل في ودانك»‬
 ‫أن الكتابة وسيلة جيدة لإثارة حنق الجميع وأولهم‬         ‫يصبح «الحلق» هويتها الأنثوية‪ ،‬فحين تغضب‬
                                                       ‫عليها الأم تدعو عليها بأن «إلهي يضيع حلقك»‪.‬‬
                             ‫زوجي» (ص‪.)284‬‬            ‫تظل هذه الهوية الملتبسة في وعي الساردة‪ ،‬لأنها‬
    ‫ولما لم يفلح في أن يثنيها عن مشروع أن تصبح‬           ‫تحاول طوال الوقت أن تمارس طفولتها دون‬
                                                      ‫تصنيف‪ ،‬لكن الثقافة تجبرها على هذا التصنيف‪،‬‬
        ‫كاتبة وتضع توقيعها الحقيقي على كتاباتها‬
       ‫نصحها أن تكتب باسم مستعار مثل «باحثة‬               ‫ألا يذكرنا هذا بأدوار الخطاب النسوي الذي‬
 ‫البادية»‪« :‬بمجرد نشر الجرائد لقصصي القصيرة‬                ‫يسعى إلى تفكيك الفرضيات النمطية بشأن‬
                                                     ‫الهوية الجندرية‪ ،‬وبناء هوية نسوية قائمة على أن‬
‫منى الشيمي في حفل توزيع جوائز كتارا‬                   ‫الفتاة لا تولد أنثى بيولوجية إنما تشكلها الثقافة‬
                                                          ‫الذكورية أنثى‪ ،‬وهذا ما تناهضه النسويات‪،‬‬
                                                          ‫مناهضة مفهوم الأنثى الثقافية‪« :‬في المدرسة‬
                                                       ‫الإعدادية للبنات تأكدت أني بنت‪ ،‬يستقبل أولاد‬
                                                        ‫المدرسة الثانوية ومدرسة الصنايع عبورنا كل‬
                                                    ‫صباح بتلويح وغمز‪ ..‬أكدت لي صديقتي في الدرج‬
                                                    ‫أن البنات يغرقن لباسهن بالدماء مرة كل شهر‪ ،‬إذا‬

                                                                    ‫حدث لي ما يحدث لهن فأنا بنت»‪.‬‬
                                                       ‫تسرد الكاتبة تفاصيل صغيرة عن تربية الأنثى‬

                                                         ‫الثقافية‪ ،‬ويتضح من تفاصيل السرد أن المرأة‬
                                                      ‫«هي كاهنة معبد الذكورة التي تدافع عن ثقافته‪،‬‬

                                                         ‫فالرجال يضعون القواعد التي تحد من حرية‬
                                                     ‫النساء ويخرجون‪ ،‬من ينفذ تلك الأوامر والنواهي‬

                                                          ‫على مجتمع النساء؟ إنها امرأة منهن اتخذها‬
                                                        ‫الرجال وسيلة لقهر بقية النساء»‪ .‬وهكذا كانت‬

                                                          ‫علاقة الساردة بأمها‪« :‬نعم يا زياد‪ ،‬هذه هي‬
                                                    ‫طبيعة علاقتي بأمي‪ ،‬حت ًما لاحظت هذا الفتور‪ ،‬على‬

                                                        ‫الرغم من تظاهري أمامكم بعكس الحقيقة‪ .‬ثمة‬
                                                     ‫أحداث وقعت قبل مجيئك‪ ،‬لكني مص َّرة على أن ما‬
                                                     ‫يقع لنا في الماضي يؤثر على الحاضر والمستقبل»‪.‬‬
                                                      ‫بما أن الساردة هي كاتبة‪ ،‬فعالمها له خصوصية‪،‬‬

                                                       ‫خصوصية تدفعها للتمرد على الثقافة الذكورية‪،‬‬
                                                          ‫تدفعها لكشف المسكوت عنه في هذه الثقافة‪،‬‬

                                                     ‫فحينما بدأت تنشر قصصها في الجرائد والمجلات‬
                                                         ‫ثار الزوج‪ ،‬واستدعى العائلة‪ ،‬أخوة الساردة‪،‬‬
                                                         ‫حتى يشهدهم على تصرفاتها‪« :‬إزاء خروجي‬
   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109