Page 227 - m
P. 227

‫الملف الثقـافي ‪2 2 5‬‬

    ‫إلى الفضاء العام ووحدة‬           ‫و»المرايا» و»ميرامار»‪،‬‬        ‫بين المحكي بكل عنعناته‬
    ‫المصير البشري‪ ،‬فأعمال‬        ‫ومجموعة المؤلفات الأخرى‬         ‫وبين المُ َعاش بكل تفاصيله‬
    ‫نجيب محفوظ استلهمت‬           ‫التي تناولت قصص الحب‬          ‫الواقعية الدقيقة‪ .‬وارتكا ًزا إلى‬
 ‫تلك المعايير وقامت بتفعيلها‬                                   ‫مؤلفات محفوظ‪ ،‬فمن الممكن‬
   ‫عبر عملية إبداعية معقدة‪،‬‬        ‫والمصائر الشخصية على‬           ‫وضعها جنبًا إلى جنب مع‬
  ‫تجاوزت الخاص إلى العام‬         ‫خلفية التحولات التاريخية‬         ‫مؤلفات العديد من الكتاب‬
                                   ‫والاجتماعية والسياسية‪،‬‬        ‫الذين تميزوا بتقديم أعمال‬
      ‫من خلال حرفية عالية‬      ‫وص َّو َرت الحراك السياسي‪-‬‬      ‫إبداعية تندرج تحت مصطلح‬
    ‫ورؤى إنسانية تنظر إلى‬        ‫الاجتماعي وما صاحبه من‬         ‫«الأدب‪ -‬الفكر الاجتماعي»‪.‬‬
  ‫المصير البشري وإلى العالم‬
                                   ‫تحولات فكرية ونفسية‪.‬‬            ‫والمصري نجيب محفوظ‬
            ‫كوحدة واحدة‪.‬‬            ‫في تلك المؤلفات تحدي ًدا‪،‬‬   ‫أحد هؤلاء الأدباء‪ -‬المفكرين‬
  ‫إن التعبير الأدبي والجمالي‬
  ‫عن وحدة المصير البشري‬              ‫تناول الكاتب المصري‬            ‫الاجتماعيين‪ ،‬وأصحاب‬
  ‫لا يستلزم أن يكتب الكاتب‬      ‫العامل الاقتصادي‪ ،‬بحرفية‬        ‫الرؤى المثيرة للجدل إبداعيًّا‬
‫الفرنسي رواية عن الأوضاع‬
  ‫في فيتنام‪ ،‬أو يكتب الكاتب‬       ‫وفنية عاليتين‪ ،‬كأحد أهم‬           ‫وجماليًّا واجتماعيًّا‪ ،‬بل‬
‫المصري رواية عن الأوضاع‬          ‫محركات التقدم الاجتماعي‬                   ‫وسياسيًّا أي ًضا‪.‬‬
                                ‫من دون مباشرة أو صراخ‬
   ‫في البرازيل‪ ،‬لكي يتجاوز‬      ‫إيديولوجيين‪ ،‬وتمثَّل ذلك في‬            ‫يظهر نجيب محفوظ‬
   ‫كل منهما المحلية وينطلق‬        ‫المشهد الطبقي في المجتمع‬       ‫كمفكر اجتماعي في ملحمة‬
   ‫إلى العالمية‪ .‬فالكاتب يكتب‬    ‫وتحولاته صعو ًدا وهبو ًطا‪،‬‬       ‫«الحرافيش»‪ ،‬وفي ثلاثيته‬
    ‫إجما ًل ما يعرفه‪ ،‬ويحدد‬       ‫واتسا ًعا وتقل ًصا‪ ،‬وانتقال‬
  ‫معايير كتابته‪ ،‬انطلا ًقا من‬  ‫الشرائح والطبقات‪ ،‬وانعكاس‬              ‫المهمة «بين القصرين‬
                                                                 ‫والسكرية وقصر الشوق»‪،‬‬
     ‫خصوصيات وتفاصيل‬               ‫كل ذلك على الأفراد وعلى‬
  ‫محلية تشكل عناصر عمله‬          ‫مصائرهم في أدق تفاصيل‬             ‫وفي «ثرثرة فوق النيل»‪،‬‬
   ‫الإبداعي‪ .‬وهنا يأتي دور‬                                         ‫وفي «السمان والخريف»‬
   ‫طاقة الكلمة وزوايا النظر‬                       ‫حياتهم‪.‬‬
 ‫والإلمام بتفاصيل وتحولات‬        ‫تقف أعمال نجيب محفوظ‪،‬‬

     ‫العالم من حوله لتصبح‬             ‫من حيث تقسيمها إلى‬
‫هذه العناصر الثلاثة الجسر‬          ‫مراحل‪ ،‬إذا جاز التعبير‪،‬‬
 ‫لرؤية إنسانية عامة تلامس‬
                                     ‫إلى جانب أهم الأعمال‬
    ‫أو تتماس أو تتقاطع مع‬             ‫العالمية التي تجاوزت‬
  ‫مصائر البشر والمجتمعات‬         ‫حدود الخصوصية القومية‬
‫في مختلف المناطق أو بعضها‬            ‫والعرقية والاجتماعية‬
                                    ‫إلى فضاء وحدة المصير‬
     ‫أو حتى كلها‪ .‬وبالتالي‪،‬‬       ‫الإنساني المشترك والمحبة‬
     ‫فالكاتب المصري نجيب‬           ‫والتسامح‪ ،‬عبر تفاصيل‬
    ‫محفوظ صاحب نوبل في‬         ‫تدور في مجتمع بعينه يعيش‬
     ‫الأدب عام ‪ ،1988‬يقف‬        ‫ظرو ًفا محددة بعينها‪ .‬ولأن‬
      ‫بأعماله إلى جانب كبار‬         ‫الرؤى الإنسانية العامة‬
‫مبدعي العالم من حيث طرح‬              ‫هي الجسور الحقيقية‬
     ‫الرؤى الإنسانية العامة‬         ‫لخروج الأدب من حيزه‬
                                   ‫القومي‪ -‬العرقي الخاص‬
   222   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232