Page 228 - m
P. 228

‫العـدد ‪60‬‬                              ‫‪226‬‬

                                   ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                       ‫ووحدة المصير البشري على‬
                                                                      ‫خلفية التحولات التاريخية‬
    ‫الجامد والفاسد والمكابر‪.‬‬             ‫دو ًرا مه ًّما في انعكاس‬      ‫والاجتماعية‪ ،‬ويقف أي ًضا‬
       ‫هناك نخب بعينها في‬           ‫صورته الشخصية في وعي‬              ‫إلى جانب مواطنيه المحليين‬
                                     ‫النخب الثقافية‪ -‬السياسية‬
‫الوسطين الثقافي‪ -‬السياسي‬            ‫من جهة‪ ،‬كما لعبت نماذجه‬             ‫من كبار الكتاب والأدباء‬
    ‫والإعلامي من جهة‪ ،‬وفي‬                                             ‫والمبدعين‪ ،‬من حيث إرساء‬
                                         ‫الإنسانية وشخصياته‬
  ‫الوسط السياسي‪ -‬الحزبي‬               ‫الرئيسية والهامشية دو ًرا‬           ‫وتدشين تقاليد للسرد‬
 ‫من جهة أخرى تكره نجيب‬                                                 ‫المصري‪ ،‬وتحديد معاييره‬
                                        ‫آخر في هذا الوعي الذي‬
    ‫محفوظ كراهية عضوية‪،‬‬                  ‫يتمترس خلف الثوابت‬                ‫الجمالية والأخلاقية‪،‬‬
     ‫ربما أكثر من كراهيتها‬               ‫والنظرة الإيديولوجية‬        ‫وتنوع موضوعاته الحياتية‬
                                       ‫الجامدة من جهة أخرى‪.‬‬
‫للشاب الذي حاول اغتياله في‬            ‫وبين هذين النطاقين غاب‬                ‫والمعيشية والاهتمام‬
  ‫مشهد يعيد إلينا ممارسات‬                 ‫البحث الأدبي العلمي‬         ‫بالقضايا الإنسانية العامة‪.‬‬
    ‫العصور الوسطى‪ ،‬وذلك‬            ‫والبحث عن الدوافع الإبداعية‬        ‫إن الدور الاجتماعي للأدب‬
      ‫لأنه ببساطة استطاع‪،‬‬             ‫والجمالية وتحديد أدوات‬
  ‫سرد ًّيا وجماليًّا واجتماعيًّا‪،‬‬  ‫الكاتب وتقاليده‪ .‬وفي الواقع‪،‬‬           ‫لا يقف عند السياسي‬
  ‫أن يتوغل في تلافيف عقلها‬           ‫فإن جز ًءا مه ًّما من مواقف‬      ‫والإيديولوجي‪ ،‬ولا يخضع‬
   ‫ويكتسح أرواحها ليكشف‬                  ‫تلك النخب ضد نجيب‬          ‫لتابوهات الديني أو الأخلاقي‬
      ‫عن أكثر مناطقها عتمة‬         ‫محفوظ‪ ،‬نابع في الأساس من‬
  ‫وإظلا ًما‪ .‬فقد نجح محفوظ‬           ‫أنه فضح نماذجها الفردية‬              ‫أو الجنسي‪ ،‬ولا يمكن‬
     ‫نجا ًحا مذه ًل في كشف‬         ‫والجماعية في الحياة‪ ،‬وكشف‬          ‫ابتزازه بالثوابت والعادات‬
 ‫مصادر الانتهازية والفساد‬          ‫عن آلية تفكيرها وطموحاتها‪،‬‬        ‫والتقاليد‪ ،‬لأنه بحكم طبيعته‬
                                        ‫وع َّرى تما ًما انتهازيتها‬    ‫يستخدم كل هذه العناصر‬
‫السياسي والإعلامي والثقافي‬         ‫وغرائزها الوحشية وضعفها‬            ‫ويتجاوزها جماليًّا وفكر ًّيا‪،‬‬
  ‫لدرجة أن نماذجه الروائية‬            ‫غير الإنساني‪ .‬من الممكن‬        ‫ويقتحم كل مجالات ودوائر‬
    ‫أثارت رعب تلك «النخب‬             ‫أن نحدد على وجه التقريب‬
 ‫المنحطة» وجعلتها تتحسس‬              ‫أن حوالي ‪ ٪60 -٪50‬من‬                 ‫المحرمات والتابوهات‪،‬‬
      ‫رؤوسها وتشعر دو ًما‬             ‫إنتاج نجيب محفوظ يدور‬           ‫ويفسر الواقع ويستشرف‬
     ‫بالذنب وبأنها مكشوفة‬                ‫حول تركيبة «الإنسان‬
      ‫تما ًما وعارية حتى من‬             ‫المنحط» الذي يتسبب في‬            ‫المستقبل‪ ،‬ويفسر العالم‬
   ‫أفكارها‪ .‬فهذا الكاتب كان‬          ‫أذى المحيطين به‪ ،‬وفي أذى‬       ‫ويعيد قراءته وبناءه‪ ،‬ويطرح‬
 ‫ينظر في أعماله إلى المستقبل‬          ‫نفسه‪ ،‬انطلا ًقا من المبادئ‬
  ‫ويكشف مصادر العور في‬             ‫والشعارات الكبرى‪ ،‬والأفكار‬          ‫رؤاه الميثيولوجية جماليًّا‪،‬‬
  ‫شعارات النخب الانتهازية‬              ‫النظرية التي يخونها هذا‬      ‫ويضيف تعبيرات وصور إلى‬
    ‫وفي تصرفاتها‪ ،‬ويفضح‬                  ‫المثقف ويفعل عكسها‪.‬‬
        ‫علاقاتها «المافياوية»‬          ‫وهنا لا ينبغي الخلط بين‬         ‫القاموس اللغوي الرسمي‬
    ‫و»المافياوية‪ -‬السياسية»‬        ‫الضعف الإنساني والمخاوف‬              ‫والشعبي‪ .‬هذا هو الدور‬
 ‫واستعدادها لتأجير عقولها‬              ‫والهواجس وعدم اليقين‬           ‫الاجتماعي «المحرض» على‬
                                     ‫لدى الناس العاديين‪ ،‬وبين‬       ‫الإحساس بالجمال وإدراكه‪،‬‬
‫وضمائرها تحت راية المبادئ‬             ‫الطبيعة الإجرامية والعقل‬       ‫والشعور بالمسؤولية‪ ،‬بدون‬
‫والمثل والشعارات السياسية‬
                                                                               ‫زعيق أو صراخ‪.‬‬
      ‫البالية المرتبطة ارتبا ًطا‬                                         ‫يبدو أن مسارات نجيب‬
‫مباش ًرا بمجموعات مصالح‪،‬‬                                            ‫محفوظ الحياتية ومعاصرته‬
 ‫وبأحزاب ضيقة الأفق أثبت‬                                            ‫جملة من التحولات التاريخية‬

                                                                            ‫في المجتمع المصري‪،‬‬
                                                                       ‫والمجتمعات العربية‪ ،‬لعبت‬
   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233