Page 229 - m
P. 229

‫‪227‬‬              ‫الملف الثقـافي‬

‫إيفان جونتشاروف‬  ‫أونوريه دي بلزاك‬  ‫ألبير كامو‬                    ‫التاريخ هشاشتها وسذاجتها‬
                                                                                ‫وانسحاقها‪.‬‬
      ‫تتكون شخصيته من‬              ‫شخصيات «ثرثرة‬
  ‫خليط متداخل من عناصر‬            ‫فوق النيل» التي لا‬               ‫إن أعمال نجيب محفوظ في‬
‫«القوادة» و»القوادين»‪ ،‬فهو‬         ‫تزال تعيش معنا‬                    ‫هذا السياق‪ ،‬كانت تضم‬
‫ليس محجوب عبد الدايم في‬
   ‫«القاهرة الجديدة» وليس‬         ‫من المؤكد أن الأستاذ «أنيس‬     ‫نماذج أخرى مهمة تقف على‬
                                       ‫زكي» من الشخصيات‬           ‫الجانب المقابل للجانب الذي‬
     ‫فرج إبراهيم في «زقاق‬                                          ‫تقف عليه نماذجه الأخرى‬
 ‫المدق» وإنما هو خلطة‪ ،‬ابنة‬          ‫المركزية في رواية «ثرثرة‬      ‫اليقينية التي تخون نفسها‬
                                   ‫فوق النيل» للكاتب المصري‬
   ‫زمنها ومكانها وظروفها‬         ‫نجيب محفوظ (نوبل ‪.)1988‬‬            ‫وتخون الناس مستخدمة‬
   ‫في مصر مطلع ستينيات‬                                             ‫الشعارات الكبرى والمبادئ‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وخصو ًصا‬             ‫هذه الشخصية التي تقدم‬        ‫البراقة‪ .‬فطرح محفوظ نماذج‬
‫السنوات التي سبقت هزيمة‬            ‫الكثير من الحلول في نهاية‬
  ‫يونيو ‪ ،1967‬وربما خلطة‬         ‫الرواية عبر سيرها على نفس‬            ‫حائرة ليس لديها يقين‪،‬‬
 ‫العامين الأخيرين في حقبة‬          ‫مسار‪ ،‬أو في مسار موازي‬        ‫تطرح أسئلة‪ ،‬وتعيش حياتها‬
  ‫الخمسينيات والعامين أو‬          ‫لمسار‪ ،‬شخصية بطل رواية‬
    ‫الثلاثة الأوائل في مطلع‬        ‫«الغريب» لألبير كامو الذي‬         ‫في سياق الآلام البشرية‬
  ‫الستينيات تحدي ًدا‪ ،‬عندما‬                                      ‫والارتباك والصعود والهبوط‬
  ‫كانت تتراكم كل الأسباب‬              ‫استيقظ في نهاية المطاف‬     ‫واختبار الإرادة‪ .‬هذه النماذج‬
‫الممكنة لضياع الأحلام تحت‬        ‫ليعي بتبعة آثامه وتداعياتها‪.‬‬
   ‫شعارات بناء الأمة وبناء‬                                              ‫كان من شأنها فضح‬
  ‫المجتمع‪ ،‬بينما الفرد نفسه‬           ‫وبالتالي من الطبيعي أن‬      ‫النماذج التي تقف دو ًما على‬
   ‫غير موجود وغير معني‬            ‫نتوقع منه الكثير بعد انتهاء‬      ‫قمة اليقين رافعة شعارات‬
                                  ‫الرواية‪ ..‬أو لا نتوقع شيئًا‪..‬‬    ‫وهتافات لا تلبث أن تسقط‬

                                    ‫أما «رجب القاضي» الذي‬                    ‫عند أول اختبار‪.‬‬
                                                                      ‫هذه اللمحة البسيطة قد‬
                                                                  ‫تصلح لمدخل مختلف نسبيًّا‬
                                                                 ‫إلى دور أعمال نجيب محفوظ‬
                                                                  ‫في الأدب المصري وفي الفكر‬
                                                                    ‫الاجتماعي الأدبي لشعبه‪.‬‬
                                                                    ‫لمحة قد تتماس أو تتقاطع‬
                                                                   ‫مع تقاليد السرد المحفوظي‬
                                                                   ‫وطرحه نماذج إنسانية من‬
                                                                      ‫جهة‪ ،‬وغوصه في أعمق‬
                                                                     ‫أعماق المناطق المظلمة في‬
                                                                   ‫الروح البشرية عمو ًما‪ ،‬وفي‬
                                                                   ‫أرواح النخب الفاشلة التي‬
                                                                    ‫تتصور أنها تحمل رسالة‬
                                                                    ‫سامية‪ ،‬بينما هي في واقع‬
                                                                 ‫الأمر تخون نفسها وبعضها‬

                                                                        ‫وتبيع الناس وتنصب‬
                                                                      ‫باسم القضية والعقيدة‬

                                                                              ‫والإيديولوجيا‪.‬‬
   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233   234