Page 231 - m
P. 231
الملف الثقـافي 2 2 9
ينطلق من رؤيته للتعايش «الطبقي المرفه» ،وجوته احتمالها.
بحكم الأمر الواقع وبحكم «زير النساء المتعالي صاحب لقد تزامن حصول الكاتب
الآراء غير الإنسانية» و»غير نجيب محفوظ على جائزة
توافر الأدوات اللازمة نوبل مع ذروة تهميش دور
للصراع ،إذا جاز التعبير. النسوية». مصر الثقافي عبر حكومات
كان الهجوم على محفوظ
وغيره ُيتَّخ ُذ غطا ًء لفكرة النخب المعطوبة وأفراد و»شلل» ثقافية،
أكبر وأخطر .وغالبية الذين وتهميش الثقافة وأحزاب «تقدمية» عربية،
هاجموه تحولوا هم أنفسهم على رأسها البعثان العراقي
إلى مواقف نقيضة ،ورحلوا المصرية
إلى دول الخليج ،وشاركوا والسوري والكثير من
في مواصلة تهميش الثقافة لا يخفى على أحد أن التنظيمات الفلسطينية التي
المصرية ودور مصر الثقافي. محفوظ كان هد ًفا للكثير
من الاتهامات قبل حصوله كانت لها امتدادات داخل
كانت المعركة أكبر من على نوبل بعشرات السنين. مصر وخارجها ،بل وفي دول
أشخاص ،وأكبر من نوبل، لكن فترة سبعينيات القرن
وأكبر من “التطبيع” :كانت العشرين الشائكة سياسيًّا غير عربية أي ًضا .وشاركت
ببساطة إيجاد مساحة لأدوار وعقائد ًّيا ،وما صاحبها من في ذلك عقول وقدرات
لجوء المثقفين المصريين إلى
أخرى جديدة لعبت فيها خنادق التنظيمات والأنظمة مصرية أي ًضا .ونحن هنا
الأموال ووسائل الإعلام السياسية العربية في المشرق لسنا بمعرض محاكمة
الخليجية دو ًرا خطي ًرا عبر العربي ،لعبت دو ًرا خطي ًرا
نفس أولئك الذين هاجموا وهدا ًما ليس لأسماء بعينها هذه النخب والأحزاب بأثر
من المبدعين المصريين ،بل رجعي كما يفعلون مع نجيب
محفوظ ودعوا بطرق لتهميش الثقافة المصرية
وأساليب مختلفة إلى تهميش عمو ًما ،ولدور مصر الثقافي محفوظ شخصيًّا وإبداعيًّا.
ولكن من الضروري وضع
الثقافة المصرية .ومن أجل على وجه الخصوص.
الموضوعية والمنهجية ،فهناك فالظاهر من تلك الحملات الحقائق في سياقاتها
كان يتمحور حول «الأدب التاريخية كأحد معايير
جانب كبير من اللوم يقع التقدمي» و»الأدب المقاوم» البحث العلمي -الأدبي .وفي
على عاتق المنظومة الثقافية و»أدب المعركة» ،وأن هناك الحقيقة ،نجيب محفوظ كان
المصرية نفسها ،وعلى عاتق لديه وجهات نظر تخصه
المنظومة الإدارية والسياسية ُكتَّا ًبا خانوا «القضية» كمواطن مصري ،وككاتب
في مصر ،وعلى التحولات وانضموا إلى معسكر مصري .ومن الممكن أن
المرعبة التي جرت في مرحلة التطبيع .ووضعوا نجيب نختلف معه حولها ،لكن علينا
السبعينيات وما تلاها حتى محفوظ على رأس القائمة على أي ًضا أن نتفهمه ،ونتفهم
الرغم من أنهم كانوا يدركون منطلقاته ومخاوفه وأحلامه
الوقت الراهن .لا ينبغي الأبعاد الحقيقية لرؤى وآماله .واختلافنا معه ،لا
تبرئة المنظومة الثقافية- محفوظ بشأن مفهوم السلام يمكن أن يدفعنا لاتهامه
السياسية المصرية ،ولا والتسامح ووحدة المصير بالخيانة والعمالة والانتهازية
يجب إلقاء اللوم كله على الإنساني ،وأنه لم يكن ُم َن ِّظ ًرا و»الصهيونية» ،وإلا فسوف
هذه النخب .ولكن الحديث للتطبيع ،لكنه ككاتب كبير نقوم بإعدام دوستويفسكي
يدور في سياق عالم نجيب «المجنون المعادي للسامية»،
محفوظ ودوره وعالمه الأدبي وجونتشاروف «المثالي
من جهة ،وحول نطاقات الثرثار صاحب المواقف
الطبقية العفنة» ،وبلزاك