Page 236 - m
P. 236

‫العـدد ‪60‬‬                            ‫‪234‬‬

                               ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                        ‫الثقافية والاقتصادية‪ .‬أما‬
                                                                ‫النطاق القانوني فهو تطوير‬
  ‫تحتاج ليس فقط إلى مجرد‬          ‫فحسب‪ ،‬بل وهبته حياتها‬
   ‫مقال‪ ،‬بل لكتاب كامل من‬           ‫نفسها كآخر حائط صد‬                ‫التشريعات وتوطينها‬
‫أجل تشريحها نفسيًّا وذهنيًّا‬                                      ‫اجتماعيًّا وثقافيًّا وتعليميًّا‬
    ‫وسلوكيًّا‪ .‬فهو فع ًل قواد‬   ‫لحمايته من جهة‪ ،‬ومن أجل‬        ‫بشأن وضع المرأة وحقوقها‬
    ‫أخطر بكثير من محجوب‬        ‫حفاظه على «شرفه» من جهة‬          ‫الطبيعية الحتمية‪ ،‬بعي ًدا عن‬
    ‫عبد الدايم‪ .‬ومن الواضح‬      ‫أخرى‪ .‬هنا لا يمكن لأي ندم‬      ‫الديني والأخلاقي والعاطفي‪.‬‬
    ‫أن نجيب محفوظ طرحه‬          ‫أن يعيد الحياة لنفيسة‪ .‬لكن‬      ‫في الفصل الأخير من رواية‬

       ‫بعبقرية فذة‪ ،‬وبشكل‬        ‫التأرجح بين الندم والوجع‬            ‫«بداية ونهاية» للكاتب‬
      ‫«ملتبس»‪ ،‬على مستوى‬             ‫من جهة‪ ،‬وبين الإنكار‬          ‫المصري نجيب محفوظ‪،‬‬
  ‫البناء‪ ،‬يتوافق مع متطلبات‬                                     ‫تظهر ليس فقط قوة السرد‬
     ‫ومعايير النماذج الأدبية‬       ‫والتخلي من جهة أخرى‪،‬‬            ‫والبناء‪ ،‬وتسييد الدوافع‬
    ‫العالمية الخالدة في ذاكرة‬  ‫يبرز التواطؤ والخسة اللتين‬      ‫الدرامية وتفعليها إلى أقصى‬
   ‫التاريخ الأدبي‪ .‬والالتباس‬                                        ‫درجات التوتر‪ ،‬بل يتم‬
‫هنا ليس في كتابة الشخصية‪،‬‬        ‫تعكسان إحدى أحط صور‬           ‫تكثيف السرد ليجسد الوجه‬
 ‫وإنما في تركيبتها الإنسانية‬       ‫القوادة وأكثرها التبا ًسا‪.‬‬      ‫الآخر الحقيقي لحسنين‪،‬‬
 ‫وتصرفاتها ودوافعها‪ .‬هكذا‬                                      ‫ويبرز التناقض الذي يوضح‬
    ‫يكشف الفصل الأخير في‬       ‫إن أخطر قواد في عالم نجيب‬         ‫بحدة مذهلة وموجعة بين‬
    ‫«بداية ونهاية»‪ ،‬والذي لا‬      ‫محفوظ‪ ،‬من حيث الشهرة‬         ‫وجه القسوة والتواطؤ‪ ،‬وبين‬
 ‫يمكن أن يكتبه إلا كاتب من‬          ‫والانتشار والتناول‪ ،‬هو‬      ‫الضعف والهشاشة وتأنيب‬
                                                                 ‫الضمير‪ ،‬في لحظة لا يمكن‬
              ‫العيار الثقيل‪.‬‬   ‫محجوب عبد الدايم في رواية‬         ‫أن ينفع معها أي تراجع أو‬
    ‫هنا يمكن أن نكتشف أن‬            ‫«القاهرة الجديدة»‪ .‬يليه‬    ‫يؤثر فيها أي وجع أو تأنيب‬
  ‫موضوع «المرأة عند نجيب‬           ‫في المرتبة الثانية حسنين‬      ‫ضمير أو إحساس بالذنب‪.‬‬
  ‫محفوظ» أو «المرأة في عالم‬        ‫في رواية «بداية ونهاية»‪.‬‬     ‫لقد انتهت للتو حياة إنسان‬
                                   ‫فمحجوب كان يعرف أنه‬            ‫كان يقدم كل شيء بنفس‬
      ‫نجيب محفوظ» مجرد‬             ‫قواد عتيد‪ ،‬بينما حسنين‬       ‫راضية لجلاديه‪ ،‬بل واختار‬
    ‫عناوين عامة وفضفاضة‬                                         ‫هو نفسه الموت لكي يفديهم‬
   ‫للغاية لا يمكنها الإفصاح‬      ‫أدرك فقط أنه قواد بعد أن‬           ‫ويجنبهم سوء السمعة‬
                                   ‫أنكر أنه يعرف جثة أخته‬         ‫ويحافظ على هيبتهم‪ .‬هنا‬
      ‫عن اهتمام هذا الكاتب‬      ‫نفيسة‪ ..‬محجوب كان يدرك‬            ‫أي ًضا يظهر الوجه القبيح‬
     ‫بالمرأة‪ .‬لكن تسمية مثل‬                                       ‫للتواطؤ والتخلي والإنكار‬
  ‫«نساء نجيب محفوظ» ُتعد‬             ‫أنه يمارس القوادة على‬         ‫وعبثية الحياة وهشاشة‬
 ‫أكثر دلالة ودقة‪ ،‬لأن نماذج‬    ‫جميع المستويات من دون أن‬
     ‫نجيب محفوظ النسائية‬        ‫يرف له جفن‪ .‬بينما حسنين‬              ‫المصير الإنساني‪ .‬لكن‬
 ‫تكاد تقف على نفس مستوى‬        ‫الذي طلب من أخته أن تنهي‬         ‫حسنين بقسوته في البداية‪،‬‬
‫النماذج النسائية لدى فلوبير‬                                     ‫وبندمه في النهاية‪ ،‬لا يمكنه‬
 ‫وتولستوي من حيث التفرد‬            ‫حياتها‪ ،‬لم يدرك أنه بهذا‬
 ‫والتوغل ليس فقط في الروح‬         ‫الأمر وضع قدمه على أول‬            ‫أن يعيد الحياة إلى أخته‬
      ‫الأنثوية‪ ،‬بل وأي ًضا في‬  ‫طريق القوادة بدم بارد وقلب‬      ‫نفيسة التي لم تهبه في واقع‬
   ‫تشريح منظومة العلاقات‬                                       ‫الأمر النقود والدعم والهدايا‬
                                    ‫من حجر‪ .‬لكن إذا دققنا‬
                ‫الاجتماعية‪.‬‬       ‫بعمق‪ ،‬قد نجد أن حسنين‬
    ‫وفي الواقع فباحثو الأدب‬      ‫هو أخطر قواد وفق طبيعة‬
                                 ‫شخصيته «الملتبسة» حيث‬
                                ‫يرتدي بدلة البوليس الأنيقة‬
                               ‫التي تخفي الكثير من جوانب‬

                                        ‫حقارته ووضاعته‪.‬‬
                                    ‫إن شخصية «حسنين»‪،‬‬
   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241