Page 240 - m
P. 240

‫العـدد ‪60‬‬                              ‫‪238‬‬

                                ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                        ‫تواطؤ الأولى مع محجوب‪،‬‬
                                                                 ‫ولا الثانية مع فرج‪ ،‬ولا حتى‬
   ‫الصغيرة‪ ،‬طالبة الجامعة‪،‬‬          ‫أي ًضا على الفعل‪ ،‬بصرف‬
    ‫سناء الرشيدي‪ ،‬هي التي‬         ‫النظر عن الاتفاق الأخلاقي‬        ‫تواطؤ الأب عند إحسان أو‬
   ‫تمردت على رجب القاضي‬                                          ‫الخالة‪ -‬الأم عند حميدة‪ ..‬إنه‬
    ‫القواد العصري المناسب‬             ‫والاجتماعي من عدمه‪.‬‬         ‫تواطؤ من نوع آخر يشارك‬
     ‫لزمنه ولثقافته الجديدة‪،‬‬          ‫رجال العوامة قوادون‬
‫وخرجت لتواصل طريقها مع‬            ‫بالفطرة‪ .‬ورجب القاضي‪-‬‬               ‫فيه الجميع بلا استثناء‬
‫ممثل آخر‪ .‬وإمعا ًنا في التمرد‪،‬‬     ‫الممثل‪ ،‬هو القواد الرئيسي‬     ‫تحت مظلة الحفاظ على البيت‬
    ‫أو الانتقام‪ ،‬جاءت به إلى‬      ‫وإن لم يكن يمارس القوادة‬        ‫الكبير الذي يضمنا‪ ،‬رغم كل‬
‫العوامة لتثبت لرجب أن هناك‬          ‫على طريقة محجوب عبد‬           ‫الفساد السياسي‪ ،‬والدعارة‬
    ‫بدائل أخرى‪ .‬ولكن عقلية‬          ‫الدايم وفرج إبراهيم‪ .‬كل‬
     ‫القواد‪ ،‬ونفسيته‪ ،‬تجعله‬          ‫نساء العوامة م ُّروا عليه‬       ‫السياسية قبل الأخلاقية!‬
 ‫دائ ًما يتقدم ضحيته بخطوة‪.‬‬       ‫في البداية‪ ،‬ثم و َّرثهم لبقية‬         ‫في «ثرثرة فوق النيل»‬
    ‫فرجب انشغل بالصحفية‬               ‫الأصدقاء‪ .‬وعندما جاء‬             ‫يظل نجيب محفوظ مع‬
‫المعروفة والمجتهدة و»الجادة»‬        ‫بطالبة كلية الآداب سناء‬
   ‫سمارة بهجت التي جاءت‬           ‫الرشيدي‪ ،‬ثم بدأت العلاقة‬           ‫الشريحة العليا من نساء‬
   ‫لتجرب أفكارها على أرض‬              ‫تفتر مع ظهور سمارة‬           ‫الطبقة الوسطى والشريحة‬
     ‫الواقع وتدونها في دفتر‬       ‫بهجت‪ ،‬بدأ الأصدقاء نسا ًء‬
    ‫مذكراتها‪ ،‬حتى وإن كان‬        ‫ورجا ًل يسألون عن الوريث‬             ‫السفلى من الطبقة العليا‬
 ‫ذلك على شكل هوامش لنص‬                 ‫القادم لسناء‪ .‬وعندما‬         ‫(ليلى زيدان‪ -‬المترجمة في‬
                                  ‫خرج رجب القاضي‪ ،‬قالت‬               ‫وزارة الخارجية)‪ .‬ولكن‬
        ‫درامي تنوي كتابته‪.‬‬        ‫سنية كامل ببساطة مذهلة‬         ‫الانتقال هنا جاء على مستوى‬
  ‫لا شك أن الصحفية الجادة‬         ‫«وإذا وقع المحظور‪ ،‬فعندك‬         ‫الوعي ونمط الحياة وطرح‬
  ‫انجذبت إلى الممثل المشهور‬     ‫مصطفى وأحمد»‪ .‬النساء هنا‬            ‫الأفكار الكبرى‪ .‬هنا تظهر‬
                                  ‫يشاركن في عملية التوريث‬            ‫تناقضات النخبة المنبثقة‬
     ‫لأسباب كثيرة‪ .‬ولا شك‬       ‫التي مررن هن بها بأنفسهن‪.‬‬             ‫عن هذه الشريحة‪ ،‬حيث‬
  ‫أي ًضا أنها لفتت نظر الممثل‬       ‫الشخصيات النسائية في‬
‫كنوع جديد من النساء ينبغي‬           ‫«ثرثرة فوق النيل» غنية‬             ‫العالم بالنسبة لهم هو‬
 ‫تجريبه‪ .‬وتظل جادة وصلبة‬                                           ‫عوامة في النيل تكاد تقترب‬
‫ومنطقية‪ .‬ولكنها كإنسان من‬               ‫بتناقضاتها وثقافتها‬        ‫من سفينة نوح التي تحمل‬
  ‫لحم ودم لا يمكن أن تبقى‬              ‫واهتماماتها‪ .‬فيها من‬         ‫من كل زوجين اثنين‪ .‬ولا‬
 ‫منطقية حتى النهاية الأليمة‪.‬‬       ‫استسلمن مثل ليلى زيدان‬           ‫يقتصر الأمر عند ذلك‪ ،‬إذ‬
                                ‫وسنية كامل لمصيريهما‪ .‬ولم‬
       ‫وهو ما كشفته حادثة‬        ‫يتبق لهما إلا خوض حروب‬              ‫تطالعنا الصفحات الأولى‬
      ‫السيارة ومقتل إنسان‪.‬‬      ‫صغيرة توفر لهما مساحتهما‬             ‫للرواية بعم عبده حارس‬
   ‫قبل الحادثة لم تكن هناك‬          ‫الصغيرة في العوامة التي‬        ‫العوامة والدينامو الحقيقي‬
  ‫إجابات قاطعة لديها بشأن‬         ‫تبدو بشكل أو بآخر «زقاق‬             ‫لحركتها‪ ،‬معلنًا أن «قرة‬
 ‫علاقتها برجب القاضي‪ .‬كل‬          ‫مدق» من نوع آخر نسبيًّا‪،‬‬        ‫عيني في الصلاة»‪ .‬لنكتشف‬
  ‫ما كانت تملكه هو مجموعة‬               ‫وفي زمن آخر مغلف‬            ‫أنه يذهب لشراء الحشيش‬
     ‫من الاحتمالات الأنثوية‬       ‫بمنظومة ثقافية‪ -‬اجتماعية‬          ‫أو المجيء بفتيات الليل إلى‬
 ‫للتعامل مع رجل يتمتع بثقة‬          ‫مليئة بالشعارات التي لا‬      ‫العوامة‪ :‬قواد‪ ،‬وإمام للمصلى‪،‬‬
    ‫القواد وصلافته‪ .‬إضافة‬         ‫تؤمن أي منهما بها‪ .‬الشابة‬
   ‫إلى لعبتها المتعلقة بمهنتها‬                                         ‫موجود وغير موجود‪.‬‬
                                                                        ‫النساء هنا واضحات‬
                                                                     ‫تما ًما‪ .‬لديهن القدرة ليس‬
                                                                      ‫فقط على الاختيار‪ ،‬وإنما‬
   235   236   237   238   239   240   241   242   243   244   245