Page 244 - m
P. 244

‫العـدد ‪60‬‬                          ‫‪242‬‬

                              ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                    ‫والتأثير والتفنن والإحكام‪،‬‬
                                                            ‫ويقوم هذا العالم على ركائز‬
    ‫فقطعت الصلة مع بعدها‬           ‫من المتعة السردية التي‬
 ‫الذاتي لتكتسب بعدا جماعيًّا‬      ‫تميز الكتابة الروائية عن‬     ‫وعناصر ثرية ومتعددة‪،‬‬
                                   ‫غيرها من أنواع القول‪.‬‬       ‫ذلك أنه تنبه مبك ًرا إلى أن‬
   ‫وموضوعيًّا ينتمي لفضاء‬        ‫ولذلك فلقد رسخ محفوظ‬         ‫الرواية عالم من الأصوات‬
    ‫النافذة وليس إلى منظور‬        ‫الجنس الروائي بوصفه‬         ‫والخيوط والنبرات‪ ،‬وتنبه‬
                                   ‫جن ًسا موضوعيًّا‪ ،‬ينظر‬   ‫‪-‬من دون أن يقرأ (باختين)‬
                     ‫المرآة‪.‬‬    ‫فيه الروائي من النافذة إلى‬  ‫صاحب مبدأ التعدد الصوتي‬
  ‫وقد تهيأت لمحفوظ أسباب‬         ‫العالم ولا يتأمل نفسه في‬   ‫والفكري في خطاب الرواية‪-‬‬
 ‫النجاح التي لم تكن الطريق‬        ‫المرآة كما يفعل الشعراء‬   ‫إلى أن الرواية ينتجها مؤلف‬
 ‫إليها ممهدة بل اعتمدت على‬      ‫في شعرهم الغنائي‪ .‬وحتى‬         ‫أو كاتب فرد‪ ،‬ويستقبلها‬
                                  ‫فقرات حياته الشخصية‬
     ‫اجتهاده الذاتي وصبره‬     ‫التي ضمن خطو ًطا وقسمات‬            ‫قارئ فرد كذلك‪ ،‬ولكن‬
   ‫الطويل‪ ،‬ومهارته في إدارة‬    ‫منها في بعض رواياته غدت‬      ‫الرواية بطبيعتها الأجناسية‬
 ‫موهبته بثبات وتطور بعي ًدا‬   ‫مكونات موضوعية لا ذاتية‪،‬‬
                                   ‫عبر إدماجها في العصر‬        ‫ليست فردية التوجه‪ ،‬ولا‬
       ‫عن الإهمال والإحباط‬    ‫والمحيط الواقعي الذي عاشه‪،‬‬      ‫ذاتية المآل‪ ،‬بل هي تعكس‬
     ‫والانتكاس الذي أصاب‬                                    ‫الطبقات والتوجهات المختلفة‬
‫كثي ًرا من الموهوبين‪ ،‬وجاءت‬                                    ‫وتستمع لمختلف النبرات‬
‫شهرته هادئة متدرجة تستند‬
    ‫أكثر ما تستند إلى أعماله‬                                                   ‫اللغوية‬
                                                                              ‫والفكرية‬
                                                                           ‫والاجتماعية‬
                                                                              ‫وتقدمها‬
                                                                             ‫من خلال‬
                                                                            ‫شخصيات‬
                                                                        ‫وبيئات واسعة‬
                                                                            ‫تفيض عن‬
                                                                            ‫عالم الفرد‬
                                                                        ‫وغنائية الذات‪،‬‬
                                                                         ‫وتتسع لتكون‬
                                                                             ‫«حوارية»‬
                                                                        ‫جماعية تعكس‬
                                                                              ‫عصرها‬
                                                             ‫وواقعها ومجتمعها‪ ،‬بكل ما‬
                                                              ‫فيها من عناصر متضاربة‬
                                                                 ‫وتناقضات وصراعات‪،‬‬
                                                              ‫مثلما تمرر نقدها الخاص‬
                                                               ‫من خلال هذه الخطابات‬
                                                                  ‫السردية التي تتجادل‬
                                                                ‫ويحاجج بعضها بع ًضا‬
                                                              ‫بروية وطول نفس وبقدر‬
   239   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249