Page 246 - m
P. 246
العـدد 60 244
ديسمبر ٢٠٢3 إلى التاريخ وروح العصر،
ولكنها في الوقت نفسه لا
المجتمع ،وطور بالتدريج لغته الحديث ،ربما ذلك ما ألجأه تنغلق عليه ،بل تمتلك أي ًضا
الواقعية وسرده الواقعي، إلى الاكتفاء بما قدم في تأملاتها واستبصاراتها
وتوج هذه المرحلة بالثلاثية لتكون ضر ًبا من التأمل في
(بين القصرين ،قصر (عبث الأقدار) و(رادوبيس) السلوك الإنساني والمجتمعي
و(كفاح طيبة) ..والانتقال إلى خارج الظرف الخاص الذي
الشوق ،السكرية) التي قدمت كتبت فيه ،وينتج عن هذا
موهبته في صورتها العالية، حقبة أخرى تجعل الرواية ما يمكن تسميته براهنية
عبر اختبار كتابة رواية في قلب واقعها وعصرها، أعمال محفوظ ،فهي بمقدار
الأجيال التي تمتد على مئات فتقرأ تحولاته من خلال ارتباطها بالواقع الذي ولدت
الصفحات وتقدم عدة أجيال واقعية جديدة ،تركز على
متتابعة ،وتتأمل بانتباه الإنسان والمكان الراهنين، في مناخه؛ فإنها تخرج
عناصر التغيير وعوامل منه بخلاصات وتعميمات
التغير ،ولا تزال الثلاثية وتنتبه لعوامل التغير أشبه بالنظرات الفلسفية
علامة رفيعة في مسيرته والتفاعل بين مكونات الواقع الخالدة التي تصلح لمعالجة
ومسيرة الرواية العربية ومكونات الرواية ،فاختار في أحوال الإنسان ،حتى لو
تبدل الواقع بجريان السنين
والعالمية حتى اليوم ،ذلك أنها هذه المرحلة تضييق البيئة
كانت اختبا ًرا لإطالة النفس المكانية إلى الحي أو الحارة والأزمنة.
الروائي مع تعقيد مكوناتها ولقد سجل محفوظ في
بين العناصر الاجتماعية ليكون هذا المكان الضيق
والسياسية والنفسية نسبيًّا ميدا ًنا لرواياته التي رواياته المبكرة رؤية
والفكرية ،فهي سيرة أجيال لمصر القديمة في تاريخها
وليس جي ًل واح ًدا ،ورواية كتبها ابتداء من منتصف
علاقات محكمة تترابط الأربعينيات وفي بداية الفرعوني ،كأنه أراد أن
بأسباب لا بد للرواية من يحيط بمصر باد ًئا بتاريخها
الإلماح إليها ،يضاف إلى ذلك خمسينيات القرن العشرين،
تطور لغة محفوظ وتمكنه وأظهر مقدرة لا تدانى في القديم على طريقة ُكتاب
من تطويع اللغة الفصحى تصوير المجتمع والأجيال الرواية التاريخية ،مثل
لتعكس المناخات والأجواء والحركات الاجتماعية (والتر سكوت) وغيره ممن
الشعبية دون استعمال والفكرية والسياسية ،فقدم مالوا إلى اكتشاف عناصر
العامية الصرفة التي ألف الروح الجماعية والوطنية
مجايلوه استعمالها ،فحتى في :القاهرة الجديدة ،وخان في تاريخ مجتمعاتهم،
الحوارات الموسعة التي الخليلي ،وزقاق المدق، فكتب مجموعة الروايات
تمثل منطوق الشخصيات الفرعونية التي قدمت اسمه
وثقافتها وأسلوبها أصر على والسراب ،وبداية ونهاية في ثلاثينيات وأربعينيات
إجرائها باللغة الفصيحة، نماذج واقعية تعكس تحولات القرن العشرين ،ولكن حركة
مع الإفادة من أساليب الواقع وتتابع الأحداث
المحكية في الاختصار وشيء والتر سكوت السياسية وملاحظته للتغير
من الرخصة في استعمال في مجتمع القاهرة دفعه
المفردات والتعابير المحكية للانتقال من هذا التاريخ
في إطار تركيبي فصيح، الممتد الذي يصعب الإحاطة
به والوصول منه إلى العصر