Page 249 - m
P. 249
247 الملف الثقـافي
تلك المرحلة. يهجس بالهزيمة والضياع، ممكنة التشكيل والتلوين،
وأخي ًرا نؤكد أن تاريخ الأدب ووفق محفوظ نفسه فإنه فهو يعتمد عليها في كونيته
أراد في (ثرثرة فوق النيل) (كما في أولاد حارتنا) وفي
وتاريخ جماليات الرواية تمثيل «محنة الضياع وعدم رمزيته (اللص والكلاب)،
مثلما هي الأجناس الأدبية الإحساس بالانتماء التي كما يخلطها بطبقة من العبث
بعامة يشهد طفرات كبرى يعاني منها الناس ،خاصة في واللامعقول كما في (ثرثرة
في تاريخ الثقافات المختلفة، أوساط المثقفين الذين انعزلوا فوق النيل) ،ونحو ذلك من
وتغدو تلك الطفرات منارات عن المجتمع ،وأصبحوا في
شبه غيبوبة ،فلا أحد يعطيهم التشكيلات الواقعية التي
وقم ًما إبداعية يستهدى الفرصة ولا هم قادرون أظهرت إمكاناته على تلوين
بها ،ويؤتم بفتوحاتها، على رؤية الطريق الصحيح.
ومحفوظ طفرة نادرة ح ًّقا وفي المحاولة التي قاموا بها تجربته بألوان شتى من
في تاريخ الجنس الروائي لإيجاد هذا الطريق ارتكبوا التعبير والتفكير.
وتاريخ الثقافة العربية حادثة رهيبة في شارع الهرم
بأسرها ،وهو في نظرنا لا ولاذوا بالفرار ،وهي الحادثة وإذا كنا في قراءتنا لمواكبة
يقل مكانة عن كبار الأعلام التي تدل على أن عزلتهم الرواية العربية لأحداث
من الروائيين المقروئين في وأنانيتهم دفعتهم للإقدام الستينيات الدامية نجعل
مختلف أنحاء العالم ،مثل: على هذا التصرف الخاطئ..
بلزاك ،ودوستويفسكي، الغيبوبة التي يعيشها أبطال من حدث النكسة (حزيران
وكافكا ،وهمنغواي ،وماركيز رواية (ثرثرة فوق النيل) )1967حد ًثا فاص ًل صاد ًما،
ونحوهم من أساتذة الرواية
العظام .ومحفوظ إذن -على تمثل نو ًعا من الانتحار كأن ما سبقه لم ينبئ به
المستوى العربي -في طبقة الذاتي وطري ًقا للخلاص من وبما أعقبه ،فإن روايات
روائية يشغلها وحده من المشكلات التي يواجهونها.».. محفوظ في ستينيات القرن
دون شريك ،وفق مبدأ العشرين قد رسمت صورة
(الطبقات الأدبية) من تراث (رجاء النقاش ،صفحات أقرب إلى الضياع والسواد
ابن سلام الجمحي في من مذكرات نجيب محفوظ، قبل النكسة وبعدها ،فروايته
تصنيفه الشهير ،وأما بقية القصيرة (ثرثرة فوق النيل)
الروائيين فيتنافسون على ط.دار الشروق ،القاهرة، التي كتبت ونشرت قبيل
طبقات أخرى تبعد مسافات ص.)265 النكسة منتصف الستينيات
عن هذه الطبقة المحفوظية لم تقدم في استبصارها إلا ما
ولذلك فإن ما أعقبها كرواية
الأولى (الحب تحت المطر) تبدو
امتدا ًدا واستمرا ًرا للجو
------- نفسه ،أما الصدمة فلربما
* ناقد وأكاديمي وشاعر من نتجت عن أكاذيب الدعاية
الأردن ،من مؤلفاته :الرواية
والإعلام التي تهيأت للمعركة
العربية واللغة -تأملات والمواجهة بالكلام والخطب
في لغة السرد عند نجيب
الرنانة والغناء الحماسي ،أما
محفوظ.2019 ، ما عدا ذلك فإن كل ما سبق
النكسة يبدو تمهي ًدا طبيعيًّا
لها في ضوء ما تشير إليه
روايات محفوظ وكتاباته في