Page 254 - m
P. 254

‫العـدد ‪60‬‬                             ‫‪252‬‬

                                ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                        ‫أو في عضلاته قوة‪ ،‬يندفع‬
                                                                   ‫للتحرش بالآمنين ويعتدي‬
  ‫وما تشهده من فترات عدل‬            ‫الكبير أوصله إلى حديقة‬
     ‫وظلم‪ ،‬من صعود لطغاة‬          ‫البيت‪ ،‬وانتهى الأمر بمقتل‬           ‫على المسالمين‪ ،‬ويفرض‬
                                 ‫الجبلاوي لتبدأ الحارة عه ًدا‬        ‫نفسه فتوة على الحارة‪.‬‬
 ‫وانكسارهم وصعود آخرين‬             ‫جدي ًدا‪ ،‬يحتل فيه الساحر‬       ‫ويجد الأفندي ناظر الوقف‬
                    ‫غيرهم‪:‬‬          ‫أو العالم مكان الفتوة‪ ،‬إلا‬     ‫نفسه في حاجة إلى الفتوة‬
                                   ‫أنه صار عاج ًزا‪ ،‬فقد أسلم‬      ‫ورجاله لينفذوا أوامره على‬
  ‫«وقد قال كثيرون إنه إذا‬                                         ‫أهل الحارة أو أن يدافع عن‬
  ‫كانت آفة حارتنا النسيان‬            ‫اختراعه الجديد للقنابل‬         ‫نفسه ما يتهدده من شر‪،‬‬
 ‫فقد آن لها أن تبرأ من هذه‬          ‫للناظر فاستخدمها لقتله‬         ‫ويرتب له راتبًا عظي ًما من‬
 ‫الآفة‪ ،‬وإنها ستبرأ منها إلى‬      ‫وللسيطرة على أهل الحارة‪،‬‬      ‫ريع الوقف‪ .‬فالحارة أصبحت‬
                                  ‫ومن ثم تحول سحر عرفة‬            ‫قيادتها للفتوة يفرض ق َّوته‬
                     ‫الأبد‪.‬‬        ‫ليصبح ضده وضد أهالي‬              ‫ورأي الناظر على الناس‪،‬‬
               ‫هكذا قالوا‪..‬‬       ‫الحارة‪ .‬وقد تركت الرواية‬            ‫وضاعت الحرية تما ًما‬
    ‫هكذا قالوا يا حارتنا!»‪.‬‬     ‫الأمل في إنقاذ أهل الحارة عن‬     ‫وتبدى ناظر الوقف بصورة‬
    ‫(أولاد حارتنا‪ ،‬ص‪)443‬‬         ‫طريق الوصول إلى «كراسة‬            ‫الحاكم الديكتاتور يسانده‬
‫أما البيت الكبير‪ ،‬فيكاد يكون‬       ‫السحر» التي هي «كراسة‬         ‫الفتوة‪ .‬وعاشت الحارة زمنًا‬
 ‫الشيء الوحيد الذي لا نرى‬                                         ‫من الاستبداد الذي أدى في‬
  ‫أث ًرا للزمن فيه‪ ،‬كأنه الوجه‬                      ‫العلم»‪.‬‬       ‫النهاية إلى ظهور «مخلص»‬
  ‫الآخر للحارة في سكونيتها‬         ‫ولعلنا نلحظ أن ثمة علاقة‬      ‫من أحفاد الجبلاوي يخوض‬
‫الرهيبة والعدم الذي يتخللها‪:‬‬       ‫تطرحها الرواية بقوة بين‬           ‫صرا ًعا من أجل تحقيق‬
   ‫«ولم يكد يتغير شيء في‬            ‫الحارة والعدم أو الحارة‬       ‫العدل‪ ،‬لكن هذا المخلص أو‬
    ‫الحارة‪ .‬الأقدام ما زال ْت‬                                   ‫الثائر ‪-‬الذي يظهر في فترات‬
‫عارية تطبع آثارها الغليظة‬           ‫والنسيان‪ ،‬مقتر ًنا بغياب‬     ‫من الزمن‪ -‬سرعان ما ُيقتل‬
‫على التراب‪ .‬والذباب ما زال‬           ‫العدالة التي يؤكد عليها‬      ‫أو يموت فتعود الحارة إلى‬
 ‫يلهو بين الزبالة والأعين‪.‬‬           ‫الراوي‪ ،‬هي المكان الذي‬     ‫سابق عهدها من ظلم‪ ،‬يتحكم‬
    ‫والوجوه ما زالت ذابلة‬           ‫يشهد كل العهود الماضية‬         ‫فيها الفتوة وناظر الوقف‪.‬‬
  ‫مهزولة‪ ،‬والثياب مرقعة‪،‬‬          ‫والآتية‪ ،‬هي وحدها الشيء‬
‫والشتائم ُتتبادل كالتحيات‬            ‫الثابت الوحيد في مقابل‬                     ‫ورغم توالي‬
      ‫والنفاق يصم الآذان‪،‬‬       ‫متغيرات كثيرة تجري عليها‪،‬‬                   ‫الأحداث ومرور‬
                                                                            ‫الزمن‪ ،‬لم يدخل‬

                                                                                ‫البيت الكبير‬
                                                                              ‫أحد من أحفاد‬

                                                                                  ‫الجبلاوي‬
                                                                               ‫سوى حفيده‬

                                                                                 ‫عرفة الذي‬
                                                                               ‫دخله متسل ًل‬
                                                                               ‫عبر سرداب‬

                                                                                ‫حفره تحت‬
                                                                               ‫سور القصر‬
   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259