Page 258 - m
P. 258

‫العـدد ‪60‬‬         ‫‪256‬‬

                                                        ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬     ‫بها‪ ،‬لا كوسيلة للتكسب‪،‬‬
                                                                        ‫وتحقيق المصالح الزائلة‬
 ‫الأجيال التي عاصرته‪ ،‬أو‬   ‫الأجيال التي تلته‪ ،‬لأنه كان‬                ‫في المناسبات‪ ،‬كما تعلم من‬
  ‫تلته‪ ،‬كما حدث مع رواد‬      ‫حري ًصا في كل مرحلة مر‬                  ‫رائد ثالث كان له دور كبير‬
                                                                        ‫في بدايات نجيب محفوظ‬
     ‫كل فن‪ ،‬يقرأ‪ ،‬ويكتب‪،‬‬   ‫بها علي تجاوز ذاته‪ ،‬كالبطل‬                   ‫وعلى تفكيره بعد ذلك ألا‬
  ‫ويتابع‪ ،‬ويسير؛ بل يقود‬   ‫الذي يتحدى في كل احتكاك‬                     ‫وهو سلامة موسى حيث‬
                           ‫رقمه القياسي فـ(يضربه)‪،‬‬                       ‫تعلم منه الإيمان بالعلم‬
    ‫السائرين الثائرين على‬                                                ‫والاشتراكية والتسامح‬
      ‫ذواتهم‪ ،‬وعلي جمود‬       ‫ويصير في تحد دائم مع‬
                                ‫ذاته‪ ،‬كانت عينه طوال‬                               ‫الإنساني(‪.)1‬‬
‫غيرهم‪ ،‬يموت وهو يغرس‬                                                 ‫هذه مرحلة مهمة في التاريخ‬
  ‫آخر فسيلة في يده‪ ،‬هكذا‬      ‫الوقت على ذاته‪ ،‬منشغ ًل‬
  ‫كان نجيب محفوظ‪ ،‬كان‬          ‫بها إلي حد كبير‪ :‬يغير‪،‬‬                   ‫الفكري التكويني لنجيب‬
  ‫يري بقلبه الذي يركض‪،‬‬                                               ‫محفوظ‪ ،‬حيث البداية تكمن‬
    ‫ويسمع بضميره الذي‬      ‫وينقح‪ ،‬ويطور‪ ،‬يستفيد من‬                   ‫في هذه الثقافة الشمولية من‬
                  ‫ينبض‪.‬‬     ‫كل تجربة تقع عليها عينه‪،‬‬                 ‫خلال أدباء أصحاب ثقافات‬
 ‫يجلس التلاميذ والمريدون‬     ‫كان ذلك فعل محفوظ مع‬
 ‫حول الأستاذ‪ ،‬يقولون ما‬      ‫كل جيل يعاصره‪ ،‬يسمع‬                         ‫متعددة ورؤى متنوعة‪،‬‬
    ‫يقولون‪ ،‬ويتحدثون ما‬                                                  ‫ليست قاصرة فقط على‬
 ‫يتحدثون‪ ،‬ويسردون من‬           ‫ويرى ويستفيد من كل‬                     ‫الجانب الأدبي الذين كانوا‬
    ‫الحكايات والأسمار ما‬       ‫صغيرة وكبيرة‪ ،‬هذا ما‬                     ‫له روا ًدا‪ .‬إن طه حسين‪،‬‬
                             ‫جعل الأجيال التي تعيش‬                      ‫وسلامة موسى‪ ،‬والعقاد‬
‫طاب لهم من حكي وسمر‪،‬‬         ‫في كنفه‪ ،‬ترى فيه القدوة‪،‬‬                  ‫«قدموا لنا أفكا ًرا ومناهج‬
  ‫ومن حديث وقول‪ ،‬وهو‬       ‫والمثل‪ ،‬والأستاذ الذي يلتف‬                     ‫فكرية أكثر مما قدموا‬
                             ‫حوله التلاميذ والمريدون‪،‬‬                  ‫نماذج أدبية»(‪ )2‬من خلال‬
‫يستمع‪ ،‬وينصت‪ ،‬ويبتسم‪،‬‬       ‫من هنا كان نجيب محفوظ‬                      ‫هؤلاء الرواد‪ ،‬ومناهجهم‪،‬‬
        ‫للمؤيد والمعارض‪،‬‬     ‫‪-‬في رأيي‪ -‬مثله مثل عدد‬
                           ‫قليل من القامات التي تركت‬                       ‫وأفكارهم يتضح هذا‬
‫للمنطقي‪ ،‬والثرثار‪ ،‬يستفيد‬    ‫ذاتها داخل عدد غير قليل‬                 ‫التكوين الفكري والثقافي في‬
  ‫من هذا وذاك‪ ،‬ولا يخرج‬         ‫من تلامذتها‪ ،‬سواء في‬
     ‫عن وقاره المنظم‪ ،‬ولا‬                                                        ‫أعمال محفوظ‪،‬‬
                                                                                  ‫ومن هنا كان‬
                                                                                    ‫«ينفرد بين‬
                                                                                  ‫كتاب الرواية‬
                                                                                       ‫المصرية‬
                                                                                     ‫ببراعته في‬
                                                                                  ‫تصوير المناخ‬
                                                                                       ‫الفكري‪،‬‬

                                                                                ‫والحوار العميق‬
                                                                                    ‫للعصر»(‪.)3‬‬
                                                                                   ‫كان محفوظ‬
                                                                                   ‫بذلك حداثيًّا‬

                                                                                ‫مجد ًدا أكثر من‬
   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263