Page 256 - m
P. 256
العـدد 60 254
ديسمبر ٢٠٢3
ليرى ماذا سينتهي إليه إن عظمة نجيب محفوظ د.شعيب نجيب محفوظ :سوسيولوجيا الأزقة
الأمر ،فكان له في أوقات خلف والحارات« ..زقاق المدق» أنموذجً ا
كثيرة ما أراد ،ومرة يراه الحقيقية ،والتي ربما لا
آخرون مؤس ًسا لحركة يختلف عليها الكثير من
جديدة لم تمر عليهم من النقاد والأدباء والمؤرخين
قبل ،وغير هذا الإسهاب لقضايا الأدب ،أنه كاتب
والإسراف في الوصف بالمعني الدقيق لهذا
والتصنيف؛ لكن المهم في المصطلح الذي لا يخرج
هذا كله أن الرجل كان عن إطار تقنينه وما
يسمع ويصمت ،لا يؤيد، تعارف عليه بين العاملين
ولا يعارض ..يعجبه هذا
الوصف فيستحسنه ،ولا به ،كاتب وكفي ،أخلص
يعجبه ذاك فلا يرده جاه ًرا للأدب على مدار أكثر من
سبعين عا ًما ،بل وجعل
بالرد ،ويستنكر وص ًفا
آخر فلا يعاتب صاحبه باقي أنشطته الحياتية
أو يقاطعه؛ بل يصمت خادمة لفعل الكتابة ،أمكنة
ويتمادى في الصمت فلا السكن والحياة ،الوظيفة،
تستطيع ترجمة صمته الأصدقاء ،القرابات ،كلها
بالقبول ولا تستطيع تسبح في فضاء الكتابة،
أن تستدل على سكوته تشم رائحتها في حركات
بالرفض. الأشياء وسكناتها.
كيف يتأتى لك أن تثبت صار محفوظ ملء السمع
وص ًفا أو تمحو غيره دون والبصر ،يطلق عليه النقاد
أن يكون رد فعل الرجل
مرجعيتك في هذا وذاك، الألقاب ويسمونه عديد
فالرجل لم يص ِّرح بشيء المسميات ،ويصنفونه
ولم يصدر عنه شيء ،إنما
ينسلخ من كل وصف، إلي حد الإسراف في
دون أن يكون لمروره عليه التسمية والتصنيف،
أثر تأخذه مبر ًرا لوصفك، مرة :الروائي البرجوازي،
لأنه يعلم تمام العلم أن ومرة الماركسي ،ومرة
الوصف والتصنيف قيد الوفدي ،وهذا يرى أعماله
يشل حركة التحديث التي طب ًقا لإيديولوجيته تنطق
لا تتوقف في ذهنه عند بالروحية والإسلامية،
عمل انتهى من كتابته، فيبحث في هذا ،ويتعمق في
وتفرغ لغيره ولا يبتغيها إظهاره ،وعلى النقيض من
هو أن تتوقف ،لأن ذلك يذهب طب ًقا لإيديولوجيته
يراه حائط صد في وجه وتوجهه أي ًضا فيري في
تحديات الرؤية والمتابعة أعماله إباحية وتغريبًا،
فنجده يتكئ على ذلك
مصحو ًبا بنوايا غير
محمودة ،فيثير الغبار
حول الرجل ،ويقف مختبأً