Page 261 - m
P. 261

‫الملف الثقـافي ‪2 5 9‬‬

‫محمد جبريل‬  ‫عباس محمود العقاد‬  ‫طه حسين‬                       ‫في هذه الفترة كما جاء في‬
                                                          ‫اللقاء السابق أكثر من «‪130‬‬
‫ياب ًسا يحمل وص ًفا جام ًدا‬   ‫الحرافيش‪ ،‬الملحمة الرائعة‪،‬‬   ‫قصة‪ ،‬مزق خمسين‪ ،‬ونشر‬
 ‫لبنيته؛ بل دائ ًما هو كائن‬    ‫والنموذج الأسمى للتغير‬
                                 ‫الذي لحق بفن محفوظ‬            ‫حوالي ‪ ،80‬واختار ‪30‬‬
   ‫حي في وجدان قاطنيه‪،‬‬                        ‫السردي‪.‬‬        ‫لمجموعة همس الجنون»‪،‬‬
      ‫يختزن بين جنباته‪:‬‬                                      ‫كانت تنقلات محفوظ من‬
      ‫تاريخهم‪ ،‬وأفعالهم‪،‬‬     ‫سوسيولوجيا الزقاق‬              ‫المقال للأقصوصة للرواية‬
     ‫همومهم‪ ،‬وأفراحهم‪،‬‬                                      ‫‪-‬في البداية‪ -‬طب ًقا لظروف‬
                                ‫تمتع المكان الموسوم عند‬       ‫النشر‪ ،‬فقد انصرف عن‬
‫حركتهم‪ ،‬وسكونهم‪ ،‬ومن‬             ‫محفوظ باهتمام خاص‬         ‫القصة للرواية بعد أن نشر‬
   ‫هنا حين اختار محفوظ‬          ‫لم ينله بهذه الكيفية لدي‬      ‫له سلامة موسى (عبس‬
                                ‫مجايليه أو حتى من أتي‬
 ‫شخصياته من بين هؤلاء‬           ‫بعده‪ ،‬خاصة في مرحلته‬              ‫الأقدار عام ‪.)1939‬‬
‫الناس‪ ،‬جاءوا يحملون على‬         ‫الواقعية الاجتماعية كما‬      ‫كان نجيب محفوظ دائ ًما‬
                               ‫تسمى‪ ،‬أي في الفترة التي‬
 ‫أكتافهم كل ما يحمل من‬         ‫سمى فيها أسماء رواياته‬             ‫من أكثر كتابنا وعيًا‬
‫مفردات‪ ،‬ويكتنز من رؤى‪،‬‬         ‫بأسماء موجودة لحارات‬            ‫بنفسه وبتطوره الفني‪،‬‬
                                                               ‫وربما ساعده على ذلك‬
   ‫من هنا صار المكان بلا‬           ‫وشوارع وأزقة مثل‪:‬‬         ‫تراثه الفلسفي القديم من‬
 ‫ريب الحدث والشخصية‪،‬‬             ‫القاهرة الجديدة‪ /‬زقاق‬      ‫ناحية‪ ،‬وتمسكه ‪-‬لسنوات‬
‫مما يصعب معه الانفصال‬            ‫المدق‪ /‬بين القصرين‪/‬‬          ‫طويلة‪ -‬بلقاءات منتظمة‬
                                ‫قصر الشوق‪ /‬السكرية‬         ‫مع أجيال من شباب الكتاب‬
   ‫بينهما‪ ،‬وسنختار زقاق‬                                     ‫والصحفيين‪ ،‬وهم في أكثر‬
      ‫المدق(‪ )5‬لنطبق عليها‬          ‫وغيرها‪ .‬والمكان عند‬     ‫الأوقات يمطرونه بالسؤال‬
     ‫صورة الحارة كواقع‬        ‫محفوظ لم يكن يو ًما صل ًدا‬      ‫يتلو السؤال عن كتاباته‬
                                                             ‫وآرائه‪ ،‬ويضعون إنجازه‬
   ‫اجتماعي يألفه محفوظ‬                                        ‫تحت المجهر من الفحص‬
‫ويتقن طوبوغرافيته جي ًدا‪.‬‬                                 ‫الدائم‪ ،‬ويتضح مما نشر من‬
                                                          ‫أحاديثه ‪-‬في تلك الفترة‪ -‬أنه‬
   ‫لقد جاء وصف الزقاق‬                                       ‫كان يسير في تطوره الفني‬
                                                          ‫مفتوح العينين‪ ،‬يعرف مكانه‬
                                                            ‫وسط خضم الأحداث‪ ،‬كما‬
                                                               ‫يعرف مكانه في خريطة‬
                                                               ‫الأدب في العالم‪ ،‬ويتنبأ‬
                                                            ‫بالخطوة التالية في إبداعه‪،‬‬
                                                               ‫لقد تأثر محفوظ بجيل‬
                                                             ‫الستينيات‪ ،‬كما تأثروا به‬
                                                          ‫تما ًما خاصة بعد أن بدأ هذا‬
                                                            ‫الجيل يكتب وينشر‪ ،‬بداية‬
                                                              ‫من رواية (تلك الرائحة)‬
                                                          ‫لصنع الله إبراهيم‪ ،‬فكتب هو‬
   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266