Page 266 - m
P. 266
العـدد 60 264
ديسمبر ٢٠٢3 إليه ثانية منكس ًرا مخذو ًل،
عاد ثانية للزقاق ،عاد خاس ًرا
سئل نجيب محفوظ.. أن أستخلص منها كل ما
لم يظهر عندك أي رمز أستطيع» .ثم يقول لقد يبحث عن أبيه كي يعوله
لشخصية العامل والفلاح هو وزوجته ،وكذلك حميدة
فما هو تبريرك لذلك؟ عشت حياة القاهرة حتى حين تمردت وخرجت ،كان
أجاب الرجل بذكاء وصدق النخاع ،وامتصصت تجربتها السقوط حليفها ،والساقطة
شديدين «المسألة عندي
هي أن الطبقات الكادحة المتعددة الأشكال بلون لن تعود للمكان سالمة ولا
مثل العمال والفلاحين :أنا الحياة الاجتماعية ،والنماذج غانمة ،وحتى لو عادت لن
أشعر بهم كشيء مجرد يستقبلها المكان غاف ًرا صاف ًحا
لذلك تجدني أكتب عنهم في الشعبية حتى تشبعت، عن فعلتها ،ولكنها ستلقى
الكتابة المباشرة بشكل أكثر ولقد ولدت في حي الجمالية حتفها خارجه دون أن يعكر
وضو ًحا؛ لكن بالنسبة لي، بجوار الحسين ،ثم انتقلت سقوطها صفو المكان ،وكان
فأنا لست ريفيًّا ،ولا أنتمي
أي ًضا إلى الطبقة العاملة ،غير إلى العباسية ،وأنا أحمل لـ(سليم علوان) نزواته
أني قد كتبت بعض الرموز لهذه الأحياء ذكريات غالية المعروفة خارج الزقاق،
في الحرافيش بشكل عام، دافئة ما زلت أحن إليها ،وأنا أما المعلم كرشة فسقطاته
وأحب أن أوضح أنني لا في شيخوختي ،آه كم أحب لا تغتفر .حاول محفوظ
أستطيع أن أكتب عن الريف أن يقدم الزقاق في الرواية
بمثل هذه الكتابة الفاتنة التي القاهرة مدينتي الأصيلة في صورة المكان الأليف
يكتب بها خيري شلبي أو العريقة»( .)8على الرغم من لساكنيه ،الصابرين على
يوسف أبورية ،فقد خلقوا في محدودية المكان الأول الذي بؤس الحياة ،ومرارة العيش،
أعمالهم الإبداعية ري ًفا بزمانه عاشه محفوظ إلا أنه استطاع أما من تمرد واستعصى عليه
ومكانه وشخصياته ولغته بعبقرية واضحة أن يوظف أمره ،فكان عليه أن يدفع
أي ًضا»( ،)9هكذا تكلم الرجل كل جزء فيه ،ويستفيد من ثمن تمرده في وقته المناسب،
بصدق وقال لا أستطيع كل مفرداته وتفصيلاته، فينال العقاب اللحظي الذي
أن أكتب عن الريف ،وقال ويجعله كائنًا حيًّا يسمع لا يتفلت منه غير معترف بما
أنا لست ريفيًّا ،نعم الرجل ويرى ،ينمو ويتسع ،ويتمدد اقترف ،وعاد إلى أهله وذويه.
عاش الحارة ،وخالط الناس ليشمل جهات عديدة وينفش إذا كان المكان الأول هو
في طفولته وعشق الحسين في أماكن متنوعة كابن وحيد الذي يبقي فنيًّا بشخوصه،
والمقاهي وكتب من وحي وسماته ،وتشكلاته ،فإن
قهوة عرابي رواية الكرنك لأب ينجب ذرية ضخمة المكان الأول عند محفوظ كان
وغيرها ،فكان المكان الأول مؤثرة ،هكذا المكان عند محدو ًدا معلو ًما ،ولهذا كانت
هو الباقي وهو صاحب محفوظ محدود في محيطه سماته واضحة مفصلة ،كما
ومساحته ،ومتسع في دلالته قال لعبد الرحمن أبو عوف
التأثير فيه. اتسا ًعا لا حدود له ،وكان «لقد عشت حياتي في نطاقها
هناك أمر ثان في الجانب مح ًّقا حين قال «ولكني وهو نطاق محدود ضيق
المقابل للمعرفة اليقينية حاولت أن أستخلص منها كل لا يزيد عن بيت ،ومصلحة
بالمكان الذي يكتب عنه أو حكومية ،ومقهى ،وعدة
عدم إدراكه كحياة معيشية: ما أستطيع». شوارع وأحياء أبرزها حي
حينما كتب محفوظ عن إنه من الصعب أن يكتب الحسين ،ولكني حاولت
الكاتب تفاصيل مكان لم
يعشه ،وأقصد لم يعش
فيه طفولته الأولى ،فإن
كتب ما كتب ،وخط ما خط،
لن يكون لمخزونه المعرفي
دور في لحظات الاجترار،