Page 270 - m
P. 270

‫العـدد ‪60‬‬                            ‫‪268‬‬

                                ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                            ‫لرواية أولاد حارتنا‪.‬‬
                                                               ‫موقف أصولي متطرف‪ ،‬يمثله‬
 ‫وليست شخصيات تاريخية‬              ‫المثقفين بشأن رواية أولاد‬
 ‫أو حقيقية‪ ،‬ومن تم لا يجوز‬      ‫حارتنا‪ ،‬وإن كانت قد أجمعت‬          ‫«عمر عبد الرحمان» ومن‬
 ‫أص ًل المقارنة بينها وبين أية‬                                      ‫معه‪ ،‬الذين اعتبروا‪ ،‬مثل‬
                                     ‫على الترحيب بهذا العمل‬        ‫محمد الغزالي‪ ،‬أن الرواية‬
         ‫شخصيات دينية»‪.‬‬           ‫الأدبي‪ ،‬وهي عدة اتجاهات‪:‬‬     ‫تجديف في حق الإسلام‪ .‬لكن‪،‬‬
  ‫اتجاه رأى أن الرواية عمل‬                                         ‫لا يجب الوقوف عند منع‬
‫سياسي‪ ،‬فهي «ترمز للحاكم‬              ‫اتجاه رأى أن هذا العمل‬     ‫نشرها‪ ،‬بل وتكفير صاحبها‬
 ‫الديكتاتوري في كل العصور‬       ‫يدافع عن إرادة الله في الخلق‪.‬‬     ‫وإصدار فتوى بإباحة دمه‬
                                 ‫فالرواية «ترانيم متصلة عن‬        ‫لارتداده عن الإسلام‪ .‬ذلك‬
    ‫الذي يؤله نفسه ويؤلهه‬                                      ‫أنه «لو أن الجماعة الإسلامية‬
‫شعبه‪ ،‬بد ًءا من عهد الفراعنة‬       ‫العدالة‪ ،‬تمجد توق وسعي‬       ‫قتلت نجيب محفوظ منذ ‪30‬‬
                                ‫الإنسان لها من بداية تاريخه‬        ‫سنة حينما أصدر روايته‬
     ‫وانتهاء بجهود الفاشية‬       ‫وترصد توفيقه وإخفاقاته»‪،‬‬         ‫أولاد حارتنا‪ ،‬لما ظهر الآن‬
 ‫والنازية والشيوعية‪ .‬وأن ما‬      ‫وهي «مبشرة بتحققها لأنها‬         ‫سلمان رشدي»‪ .‬ولعل هذا‬
 ‫يقصده نجيب محفوظ فع ًل‬                                        ‫الموقف المتطرف هو الذي دفع‬
                                  ‫إرادة الله في كونه وخلقه»‪.‬‬     ‫بأحد الشباب المغرر بهم إلى‬
    ‫بالرواية كلها يوضح أن‬         ‫وهو رأي يدافع عن الراوي‬        ‫محاولة قتل نجيب محفوظ‬
  ‫تطور الحضارة والإنسانية‬          ‫والرواية باستعمال سلاح‬
                                  ‫الدين نفسه (قرآن‪ ،‬أحاديث‬                     ‫سنة ‪.1994‬‬
     ‫سيقضي في النهاية على‬       ‫نبوية) الذي يستعمله الفقهاء‬       ‫موقف «الأزهر»‪ ،‬المؤسسة‬
    ‫الديكتاتورية والاستبداد‪،‬‬      ‫عادة «فالرد عليه سهل من‬      ‫الدينية الرسمية في مصر (في‬
 ‫وأن في هذا التنبؤ تكمن قوة‬      ‫الدين نفسه» على حد قولهم‪.‬‬       ‫دين لا يقر بوجود كهنوت)‬
                                  ‫اتجاه اعتبر أن الرواية عمل‬     ‫والتي عبرت عنه بإصدارها‬
      ‫وعظمة أولاد حارتنا»‪.‬‬                                      ‫فتوى بمنع أولاد حارتنا من‬
      ‫اتجاه رأى أن الرواية‪،‬‬         ‫أدبي بامتياز «وأن الذين‬    ‫النشر (قبل ‪ 10‬أيام من انتهاء‬
 ‫اجتماعية وضعية‪ ،‬أو مادية‬          ‫حاربوا الراوي كانوا جهلة‬     ‫نشرها في الأهرام) للاعتقاد‬
    ‫ماركسية‪ ،‬حيث «إن بناء‬         ‫إلى حد عدم إدراك أن الأدب‬    ‫في مسها بالديانات ومن بينها‬
   ‫الرواية قد قام منذ البداية‬   ‫الرمزي يفتح الباب لتفسيرات‬
    ‫على الصراع الدائم حول‬                                                         ‫الإسلام‪.‬‬
‫رأس المال وتوزيعه والطريقة‬            ‫متنوعة حسب التكوين‬          ‫هذه هي أهم مواقف علماء‬
      ‫المثلى لتحقيق الرفاهية‬     ‫الفكري للقارئ وهواه‪ ..‬ذلك‪،‬‬
     ‫الإنسانية لأبناء الحارة‪.‬‬                                       ‫الدين من النص الروائي‬
  ‫فهناك دائ ًما طرفان‪ :‬طرف‬        ‫أن الشخصيات الروائية أيا‬         ‫لنجيب محفوظ‪ .‬وهي كما‬
  ‫أحقية أبناء الحارة جميعهم‬      ‫كانت هي شخصيات خيالية‪،‬‬            ‫اتضح تتراوح بين اعتبار‬
  ‫في رأس المال دون نظر إلى‬                                       ‫الرواية عم ًل ضد الإسلام‪،‬‬
  ‫مكانتهم الاجتماعية ومنهم‬
   ‫أدهم‪ ،‬جبل‪ ،‬قاسم‪ ،‬رفاعة‬                                           ‫وعم ًل أدبيًّا خال ًصا‪ ،‬بل‬
   ‫وعرفة‪ .‬وطرف آخر يمثله‬                                             ‫ويمجد الإسلام‪ .‬فماذا‬
 ‫ناظر الوقف والفتوات الذين‬                                        ‫عن مواقف العلمانيين من‬
   ‫يعتبرون أنفسهم أصحاب‬
 ‫الحق في الرأسمال‪ .‬أما بقية‬                                                       ‫المثقفين؟‬
‫الحارة فيؤدون أدوا ًرا ثانوية‬                                             ‫ب‪ -‬العلمانيون‪:‬‬
‫وخدمية في هذا المكان‪ .‬إن هذا‬                                         ‫اختلفت آراء العلمانيين‬
 ‫الصراع بين الطرفين يتغير‬
    ‫ويتطور بتطور المجتمع»‪.‬‬
   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274   275