Page 272 - m
P. 272

‫العـدد ‪60‬‬                               ‫‪270‬‬

                               ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                           ‫لجماعة بلغت سن الرشد‬
                                                                    ‫وأصبحت واعية بماضيها‬
      ‫حارتنا»‪ ،‬أرى من المفيد‬       ‫اعتبار الرواية عم ًل أدبيًّا‬
    ‫أن أقف عند تأويل نجيب‬      ‫بامتياز‪ ،‬أو معارضة سياسية‬                      ‫بوصفه ترا ًثا»‪.‬‬
   ‫محفوظ ذاته لعمله الأدبي‪.‬‬                                        ‫اتجاه الأكاديمية السويدية‪،‬‬
 ‫وهذا من خلال عرض بعض‬             ‫لنظام‪ ،‬أو بحثًا في الفلسفة‬      ‫الذي رأى أن الرواية واقعية‬
   ‫مواقفه على سبيل المثال‪ ،‬لا‬       ‫الميتافيزيقية (الوضعية‪،‬‬
                                      ‫والصوفية‪ ،‬والواقعية‪،‬‬             ‫«تتميز بالثراء والتنوع‬
              ‫الحصر‪ ،‬منها‪:‬‬                                       ‫الواسع في الألوان‪ ،‬وبالواقعية‬
   ‫أن الرواية «أحداث عجيبة‬       ‫والتاريخية والأسطورية‪،)..‬‬       ‫ذات الرؤى المباشرة الصافية‬
   ‫لحارة عجيبة‪ ،‬تروى بغير‬           ‫دون الحديث عن موقف‬
‫نظام‪ ،‬وتخضع لأهواء الرواة‬            ‫القارئ العادي الذي قد‬           ‫والغموض المثير بدلالاته‬
 ‫وتحزباتهم» (أولاد حارتنا)‪.‬‬                                        ‫النافذة»‪ .‬وعلى هذا الأساس‬
    ‫«كان منهج الرواية قصة‬       ‫يعتبرها مجرد حكاية مسلية‬
                               ‫عن الفتوة والحارة‪ .‬لكن‪ ،‬ماذا‬           ‫فإن «نجيب محفوظ أبو‬
     ‫كليلة ودمنة‪ ،‬توجد عالمًا‬  ‫عن رأي صاحب الرواية ذاته؟‬              ‫الواقعية أو مؤسس تيار‬
 ‫متطو ًرا لتوحي بعالم وراءه‪،‬‬                                      ‫الواقعية والتي تعني تجسيد‬
                                 ‫ج‪ -‬نجيب محفوظ يؤول‬                  ‫الأحياء الشعبية ومحاولة‬
    ‫ولو قرأها الذين فسروها‬                          ‫عمله‪:‬‬         ‫إظهار روح الأسرة المصرية‬
‫ضدي بعين أدبية لما فسروها‬                                          ‫بما فيها من عادات وتقاليد‬
                                   ‫بعد أن عرضت لاتجاهات‬
   ‫حسب هواهم واتخذوا من‬                ‫علماء الدين والمثقفين‬             ‫والتعرف على شرائح‬
  ‫تفسيرهم لها هد ًفا ضدي»‪.‬‬                                                 ‫اجتماعية مختلفة»‪.‬‬
                                   ‫العلمانيين في نص «أولاد‬
     ‫«فرواية أولاد حارتنا لا‬                                      ‫وهي اتجاهات أو حساسيات‬
  ‫تخلو من خلفيات اجتماعية‬                                         ‫يمكن أن نضيف إليها أخرى‬
  ‫واضحة‪ ،‬ولكن المشكلات‬                                            ‫(نفسية‪ ،‬وصوفية‪ ،‬شكلانية‬
                                                                   ‫لسانية‪ )..‬تؤكد مدى أهمية‬
          ‫التي صاحبتها‬                                             ‫النص الروائي المعني ومدى‬
     ‫والتفسيرات التي‬
   ‫أعطيت لها جعلت‬                                                      ‫إمكانية انفتاحه على كل‬
‫الكثيرين لا يلتفتون‬                                                ‫التأويلات المقترحة‪ .‬وهو ما‬
‫إلى هذه الخلفيات‪ ،‬وفي‬                                             ‫عبر عنه محمد حسين هيكل‬
  ‫تصورهم أنها‬
   ‫رواية‬                                                             ‫سنة ‪ 1959‬بقوله «أخذت‬
                                                                   ‫الرواية وقرأتها يوم جمعة‪،‬‬
                                                                    ‫ويوم السبت سألت توفيق‬
                                                                 ‫الحكيم‪ :‬عاوز يقول إيه؟ قال‪:‬‬

                                                                     ‫ما عرفش‪ ،‬فطلبت منه أن‬
                                                                   ‫يأخذ الرواية ويقرأها وبعد‬
                                                                   ‫يومين سألته‪ ،‬ماذا وجدت؟‬
                                                                   ‫وكعادته رد السؤال بسؤال‬
                                                                    ‫وقال‪ :‬أنت لقيت إيه؟ قلت‪،‬‬
                                                                 ‫أنا حاسس أن نجيب بيحاول‬

                                                                               ‫يقول الكثير»!‬
                                                                  ‫إنها آراء مختلفة إذن تتراوح‬

                                                                    ‫بين العجز عن التأويل‪ ،‬إلى‬
   267   268   269   270   271   272   273   274   275   276   277