Page 274 - m
P. 274

‫العـدد ‪60‬‬                             ‫‪272‬‬

                               ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                       ‫من موقفه كليبرالي ومثقف‬
                                                                ‫نقدي‪ ،‬ليس مع السلطة أب ًدا‪،‬‬
   ‫صراع التأويلات‬               ‫لكن‪ ،‬لم يسكت صوت نجيب‬          ‫ولذلك فقد وجد نفسه ضدها‬
                                                  ‫محفوظ‪.‬‬
     ‫تثير هذه مواقف العديد‬                                                     ‫بالضرورة‪.‬‬
   ‫من الملاحظات حول النص‬          ‫ذلك‪ ،‬أنه إذا كان أديبنا قد‬          ‫وقد ظهر هذا باك ًرا في‬
    ‫نلخصها في عناوين مثل‪:‬‬         ‫تجرأ في زمن «الجبن سيد‬           ‫الثلاثية أو ًل‪ ،‬التي عكست‬
 ‫أسئلة النص‪ ،‬وتعدد التأويل‪،‬‬      ‫الأخلاق» أن يهتف بروايته‬        ‫التحولات وتطلعات الشباب‬
                               ‫أولاد حارتنا (وقبلها الثلاثية)‬  ‫نحو تغيير النظام القائم‪ .‬لكن‪،‬‬
      ‫وتجدد الفكر‪ ،‬والحجب‬          ‫بالحرية في زمن «الحرية‬       ‫لم يكن نجيب محفوظ ينتظر‬
         ‫والاستبعاد‪ ،‬ومأزق‬        ‫للشعب لا لأعداء الشعب»‪.‬‬           ‫أن تؤول الأوضاع سنة‬
                                  ‫فقد عاد مع روايته «ثرثرة‬        ‫‪ 1952‬إلى ما آلت إليه‪ ،‬أي‬
  ‫الاختلاف‪ ،‬والتأويل والدم‪،‬‬       ‫فوق النيل» لينتقد السلطة‬      ‫إلى استيلاء الضباط الأحرار‬
    ‫وتفادي القطيعة‪ ،‬والنص‬                                         ‫على الحكم بواسطة انقلاب‬
                      ‫كلغة‪.‬‬          ‫القائمة‪ ..‬ما دفع المشير‬        ‫عسكري‪ .‬ولذا‪ ،‬باعتباره‬
           ‫أ‪ -‬أسئلة النص‪:‬‬           ‫عبد الحكيم عامر رئيس‬        ‫ليبراليًّا ديموقراطيًّا متعاط ًفا‬
                                  ‫المؤسسة العسكرية وقتها‬            ‫مع حزب الوفد‪ ،‬فإنه لم‬
‫أفادنا استعراض هذه المواقف‬       ‫إلى المطالبة بتوقيف الرواية‬      ‫يتحمس لهذه الثورة (على‬
             ‫والآراء بما يلي‪:‬‬    ‫واعتقال صاحبها‪ ،‬وكذا مع‬          ‫عكس معظم مثقفي زمنه)‪.‬‬
                                ‫رواية «ميرامار» حين طالب‬            ‫الشيء الذي أدى به إلى‬
    ‫‪ -‬أن المسألة تتعلق بنص‬         ‫الاتحاد الاشتراكي بوقف‬       ‫الصمت مدة طويلة ‪-‬نسبيًّا‪-‬‬
       ‫روائي واحد هو»أولاد‬     ‫عرض الفيلم المستوحى منها‪.‬‬        ‫قبل أن يصدر رائعته «أولاد‬
                   ‫حارتنا»‪.‬‬        ‫واستمر هذا مع الضغوط‬         ‫حارتنا»‪ ،‬التي يمكن تأويلها‪،‬‬
                               ‫التي مورست عليه عند نشره‬            ‫إلى حد ما‪ ،‬كرد فعل تجاه‬
‫‪ -‬أن هناك اختلا ًفا بين رجال‬       ‫لرواية «الحرافيش» التي‬            ‫هذه الثورة بلغة الأدب‪.‬‬
‫الدين حول تأويل هذا النص‪.‬‬      ‫تواجه عصر الانفتاح‪ ،‬وصو ًل‬        ‫وهكذا‪ ،‬في الوقت الذي كان‬
                                  ‫إلى المضايقات التي تعرض‬            ‫يطلب فيه الفقيه محمد‬
      ‫‪ -‬أن هناك اختلا ًفا بين‬  ‫لها عند توقيعه لعريضة ضد‬        ‫الغزالي من جمال عبد الناصر‬
     ‫المثقفين العلمانيين كذلك‬    ‫سياسة اللاحرب واللاسلم‬         ‫تحصين مؤسسة الفقهاء من‬
                                 ‫لنظام السادات سنة ‪،1972‬‬        ‫النقض‪ ،‬جاءت الرواية لتربك‬
                     ‫حوله‪.‬‬          ‫والتي أدت إلى منعه من‬      ‫الطرفين م ًعا‪ ،‬السلطة ورجال‬
      ‫‪ -‬أن هناك اختلا ًفا بين‬      ‫النشر في جريدة الأهرام‪.‬‬        ‫الدين في ذات الوقت‪ .‬إذ لم‬
 ‫المثقفين العلمانيين من جهة‪،‬‬     ‫إنها رحلة شاقة إذن للكلمة‬       ‫ترض عنها السلطة‪ ،‬وإن لم‬
   ‫وبين رجال الدين من جهة‬            ‫ضد السلطة (العلمانية‬         ‫تمنعها‪ .‬كما لم يرض عنها‬
                                 ‫والدينية على السواء)‪ .‬وهو‬        ‫رجال الدين فطلبوا منعها‪.‬‬
                    ‫أخرى‪.‬‬         ‫ما يؤكد ما عبر عنه نجيب‬        ‫ويبدو أن عبد الناصر خرج‬
     ‫‪ -‬أن هناك اختلا ًفا لدى‬        ‫محفوظ بقوله «إننا نحيا‬          ‫من الورطة بحيلة‪ ،‬حين‬
     ‫الراوي نفسه حول عمله‬      ‫ونموت في زمن العنف‪ ،‬حيث‬         ‫اقترح طبع الرواية في الخارج‬
                                ‫الشمولية فيه وكأنها ظاهرة‬          ‫(لبنان)‪ ،‬وهذا ما حصل‪،‬‬
                    ‫الأدبي‪.‬‬     ‫طبيعية لا تقتصر على مرحلة‬       ‫وأرضى الطرفين في النهاية‪.‬‬
      ‫‪ -‬وأن هناك اختلا ًفا أو‬       ‫دون أخرى من أدهم إلى‬
‫تحف ًظا للسلطة تجاه كل ذلك‪.‬‬
‫بناء عليه‪ ،‬يمكن التساؤل‪ :‬أي‬                        ‫عرفة»‪.‬‬
   ‫تفسير هو الأصح والأكثر‬
‫تطاب ًقا مع النص الأصلي؟ من‬
‫هو الاتجاه العلماني أو الديني‬
 ‫الذي وقف على ماهية النص‬
     ‫وتعاليم المعلم المؤسس؟‬
     ‫وأي قول هو «الحق» في‬
    ‫أقوال الراوي ذاته؟ ثم ما‬
   269   270   271   272   273   274   275   276   277   278   279