Page 277 - m
P. 277
الملف الثقـافي 2 7 5
جورج طرابيشي جلال كشك أوغست كونت جعلت أديبنا ينزوي مثل
الجبلاوي في «البيت الكبير»
والإيديولوجيات والصراعات يقول في حيرة «إني لأتساءل
من أدهم إلى عرفة ومن عما أبقى أجدادنا بهذه الحارة كي ينظر إلى أولاد حارته
فرعون إلى هتلر ،ومن (من رجال دين ،وعلمانين،
اللعينة؟ الجواب يسير ،لن وسلطة ،ومواطنين ..من أبناء
قتلة فرج فودة وإرهابيي نلقى في الحواري الأخريات وطنه ،والبشرية جمعاء) في
11شتنبر بنيويورك و16 إلا حياة أسوأ من الحياة التي يأس ،وهم يتنانزعون حول
ماي بالدار البيضاء ولندن نكابدها هنا» (أولاد حارتنا). الوقف /النص .من منهم أحق
والقاهرة والرياض (.).. بالاستحواذ عليه ،والقبض
وكأن قدر الإنسان أن يكون و -التأويل والدم: على الكنز للتمتع به ،أو على
إشكا ًل لأخيه الإنسان على حد نعم ،الجواب يسير إلى حد سر الكتاب العجيب للتحدث
تعبير أبي حيان التوحيدي ،أو الجنون .وهذا إلى حد أنه «ما باسمه والحكم على أساسه.
ذئبًا لأخيه الإنسان ،بمفهوم أن يحسب شاب في نفسه نعم ،لقد فضل الجبلاوي
جرأة حتى يفرض نفسه فتوة الموت بعد أن تأكد من عجزه
جون لوك». ويعبث بالآمنين ،فيغرس على حل النزاع الدائم بين
نعم ،ماذا بوسع رواية أن سكينه في رقبة عجوز (نجيب
تفعل أمام «خفة الإنسان محفوظ) أو يفرض لاهوته أولاده البشر ،فيما فضل
التي لا تحتمل» (م.كونديرا)؟ بالدم على حارته ،بناء على نجيب محفوظ الموت الرمزي
ثم ماذا أفادت البشرية كل تأويل أحادي مغلق لنص ،لم
تلك الديانات والفلسفات يقرأه حتى .هنا تكمن العلاقة (قبل الموت الحقيقي) ،أي
والأدبيات والعلوم ،التي بين الدم والتأويل ،أو حين الصمت عن نشر روايته،
يتحول التأويل إلى دم .ومن على مواجهة الحقيقة في واقع
تراكمت منذ قرون ،هل هنا ،منشأ الفتوات والديانات ما فتئ ينفلت من ضوابطه،
لتصل به حيث البدء ،أي إلى ويصبح تحت رحمة الفتوة.
وهو ما فعله سقراط بالأمس
حين رضي بالإعدام عقوبة،
وقتل أناه المتمردة خو ًفا
–ربما -على جماعته من
الفوضى التي قد يثيرها
جنون العقل.
وهكذا من سقراط إلى الحلاج
فابن رشد ،فكاليلو ،فنيتشه،
يجد العقل البشري نفسه
أمام الإشكال نفسه :حفظ
الحياة أو قول الحقيقة ،تمرد
الفرد أمام الجماعة ،والمثقف
ضد السلطة ،والحرية ضد
الاستبداد ،والمعقول ضد
العبث ( .)..إنها أسطورة البدء
التي تتكرر (منذ تمرد إبليس
على الإله) ،والتي جعلت أديبنا