Page 267 - m
P. 267

‫الملف الثقـافي ‪2 6 5‬‬

    ‫الأول (الحارة)‪ ،‬يعرف‬     ‫يعرفون جي ًدا (طبوغرافية‬         ‫الإسكندرية‪ ،‬لم يكن إلى‬
  ‫تفاصيل مفرداتها معرفة‬      ‫المكان) وهو محمد جبريل‬         ‫حد كبير موف ًقا في عرضه‬
‫يقينية‪ ،‬كما يعرف تصرفات‬                                     ‫لــــ(طبوغرافية المكان)‪،‬‬
    ‫شخوصها‪ ،‬عاش معهم‬             ‫الذي اعترف أن نجيب‬
   ‫واختزنهم في ذاكرته‪ ،‬في‬   ‫محفوظ كتب عن الأنفوشي‬               ‫وهناك أدلة من الذين‬
 ‫الحارة ولد‪ ،‬وبين جنباتها‬    ‫دون أن يتعرف على طبيعة‬       ‫يعرفون المكان معرفة المقيم‪،‬‬
‫ترعرع صبيًّا‪ ،‬وحينما انتقل‬
 ‫إلى أماكن أخري بقيت فيه‬      ‫الحي بصورة فعلية‪ ،‬فقد‬          ‫بل ومن المقيمين أنفسهم‬
   ‫لم تغادره‪ ،‬هذا ما ذهبت‬       ‫تصور أنه يشابه أحياء‬      ‫تثبت هذا الكلام‪ ،‬انظر معي‬
  ‫إليه هذه القراءة‪ ،‬وهو أن‬                                 ‫ما قاله محمود أمين العالم‬
  ‫المكان الأول قيمة معرفية‬  ‫الإسكندرية الأخرى‪ ،‬وربما‬
  ‫لا تضيع من الذاكرة‪ ،‬ولا‬     ‫أحياء القاهرة أي ًضا‪ ،‬فهو‬      ‫«نستطيع أن نقول أخي ًرا‬
   ‫يمكن أن تستبدل بمكان‬       ‫يتحدث عن العطفة المبلطة‬       ‫إن الإسكندرية عند نجيب‬
 ‫آخر‪ ،‬لم يعشه المبدع فيفقد‬      ‫الصاعدة من الأنفوشي‬        ‫محفوظ ذات دلالة قاهرية‪،‬‬
    ‫صدق تفاصيله‪ ،‬فيؤخذ‬         ‫«والإسكندرية عمو ًما لا‬     ‫فنحن ننتقل إليها‪ :‬هر ًبا‪ ،‬أو‬
‫عليه‪ ،‬لذا كان حضور المكان‬       ‫تعرف العطفة‪ ،‬وصعود‬           ‫تغر ًبا‪ ،‬أو بحثًا عن عمل‪،‬‬
‫عند محفوظ حضو ًرا ذاتيًّا‪،‬‬                                  ‫أو متعة أو عزاء وبهذا لم‬
 ‫مخزون يعيش فيه‪ ،‬يخرج‬       ‫الطريق لا يعرفه الأنفوشي‪،‬‬
‫وحده على الورق دون جهد‬          ‫وأنا من أبنائه‪ ،‬وعمو ًما‬     ‫يخرج نجيب محفوظ في‬
                                  ‫فإن نجيب محفوظ لا‬         ‫نظرته إلى الإسكندرية عن‬
                  ‫أو تكلف‬      ‫يكتب جي ًدا إلا عن البيئة‬
                                                              ‫قاهريته‪ ،‬إنها الـ(هناك)‬
                              ‫التي يختبرها(‪ ،)11‬يؤكد ما‬                 ‫الـ(بعيد)(‪.)10‬‬
                             ‫أسلفنا من آراء أن محفوظ‬
                                                            ‫نأخذ رأ ًيا آخر لواحد من‬
                              ‫كان على وعي تام بمكانه‬          ‫أبناء الإسكندرية الذين‬

                                                                        ‫الهوامش‪:‬‬

                    ‫‪ -1‬جلال سرحان‪ ،‬حديث مع نجيب محفوظ في عيد ميلاده الخمسين‪ /‬مجلة المجلة‪ ،‬يناير ‪.1963‬‬
                                    ‫‪ -2‬فؤاد دوارة‪ ،‬رحلة الخمسين مع القراءة والكتابة‪ /‬مجلة الكاتب يناير ‪.1963‬‬

          ‫‪ -3‬إبراهيم فتحي‪ ،‬الحداثة والفلسفة الروائية عند نجيب محفوظ‪ /‬مجلة القاهرة العدد ‪ 15 /91‬يناير ‪.1989‬‬
                                                             ‫‪ -4‬مجلة الكاتب مع فؤاد دوارة يناير ‪ 1963‬ص‪.14‬‬

                    ‫‪ -5‬نجيب محفوظ‪ ،‬زقاق المدق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة مصر د‪.‬ت وسنشير إلى أرقام الصفحات في المتن‪.‬‬
                      ‫‪ -6‬انظر يوسف الشاروني‪ ،‬رحلة عمر مع نجيب محفوظ‪ ،‬المجلس الأعلى للثقافة ‪ 2010‬ص‪.24‬‬
  ‫‪ -7‬محمد جبريل‪ ،‬نجيب محفوظ‪ ،‬صداقة جيلين‪ ،‬القاهرة الهيئة العامة لقصور الثقافة (كتابات نقدية) ‪ 1993‬ص‪.53‬‬
  ‫‪ -8‬عبد الرحمن أبو عوف‪ ،‬حوار مع هؤلاء‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب الثقافة الجديدة القاهرة أكتوبر ‪1990‬‬

                                                                                                  ‫ص‪.34 ،33‬‬
   ‫‪ -9‬في حوار أجراه محمد كشيك في الثقافة الجديدة ع ‪ 16 /15‬أبريل ‪ 1988‬ص‪« 145‬كتب نجيب محفوظ رواية عن‬
‫الريف سماها (أحلام القرية لكنها أخذت مصيرها الوحيد لأنه يجب أن يكون لدى الروائي معرفة كاملة بمن يكتب عنه‪.‬‬

                                                                 ‫أنظر في ذلك فؤاد دواره عشرة أدباء يتحدثون»‪.‬‬
                           ‫‪ -10‬محمود أمين العالم‪ ،‬أربعون عا ًما من النقد التطبيقي‪ ،‬دار المستقبل العربي‪ ،‬ص‪.468‬‬

                                                                  ‫‪ -11‬محمد جبريل‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.71/70‬‬
   262   263   264   265   266   267   268   269   270   271   272