Page 264 - m
P. 264

‫العـدد ‪60‬‬                ‫‪262‬‬

                                                   ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬              ‫على قلبه لفراق الزقاق‬
                                                                           ‫الذي يحبه والفتاة التي‬
‫محمود أمين العالم‬                   ‫يوسف الشاروني‬
                                                                             ‫يهيم بها» (ص‪،)113‬‬
    ‫تعد القهوة‪ /‬المكان حياة‬              ‫المضروب حوله‪ ،‬بيد أن‬           ‫وحين التقى بحميدة بادلها‬
      ‫الزقاق‪ ،‬لأنها تفتح من‬          ‫النشاط يدب في الأركان منذ‬          ‫الكلام‪ ،‬وحين قالت له أنت‬
                                    ‫الصباح الباكر‪ ،‬يفتتحه سنقر‬           ‫الذي اخترت السفر «فقال‬
 ‫الصباح الباكر حتى ساعات‬              ‫صبي القهوة فيهيئ المقاعد‬        ‫بصوت كالنواح‪ ،‬أنت السبب‬
‫متأخرة من المساء؛ بل وحتى‬             ‫ويشعل الوابور‪ ،‬ثم يتوافد‬
 ‫الساعات الأولي من الصباح‬           ‫عمال الوكالة أفرا ًدا وأزوا ًجا‪،‬‬      ‫يا حميدة‪ ،‬أنا والله أحب‬
                                     ‫ثم يلوح جعده حام ًل خشبة‬             ‫زقاقنا وأحمد الله على ما‬
      ‫الجديد‪ ،‬هي ذاك المكان‬         ‫العجين‪ ،‬حتى عم كامل نفسه‬             ‫يرزقني به من كفاف وما‬
  ‫المفتوح تستقبل كل طارق‪،‬‬                                               ‫أحب أن أنأى عن الحسين‬
  ‫كل من أراد الجلوس عليها‪:‬‬              ‫يشغل هذه الساعة بفتح‬             ‫الذي أقوم وأقعد باسمه»‬
                                      ‫الدكان وتناول الإفطار عن‬           ‫(ص‪ ،)110‬كثي ًرا ما أنتقد‬
     ‫ابن المكان وابن السبيل‪،‬‬          ‫النعاس» (ص‪ ،)32‬وتظهر‬                ‫ضعف شخصية (عباس‬
   ‫القريب والغريب‪ ،‬المعروف‬            ‫صورة هدوء الزقاق ساعة‬               ‫الحلو)‪ ،‬كما أنتقد (كمال‬
 ‫والمجهول‪ ،‬هذا فرج نموذ ًجا‬            ‫الظهيرة حيث يخلد السيد‬          ‫رؤبة لاظ) في السراب الذي‬
                                    ‫سليم علوان للمقيل في حجرة‬          ‫ارتبط بأمه ارتبا ًطا مري ًضا‪،‬‬
     ‫للقادم الغريب المجهول‪،‬‬           ‫أنيقة أعدها لهذا الأمر «ولما‬      ‫نتج عنه ضياعه وضياعها‪،‬‬
   ‫أفندي لم يعهده الناس في‬                                            ‫إلا أن هذا البناء للشخصيتين‬
    ‫محيطهم من قبل‪ ،‬حينما‬                 ‫انتهي من طعامه مضى‬           ‫يتناسب كثي ًرا مع بنية المكان‬
‫جاءها لفت الأنظار في البداية‪،‬‬          ‫إلى الفراش يستجم ساعة‬          ‫وشبكة تواصل الشخصيات‪،‬‬
  ‫كعادة الغريب المجهول‪ ،‬ثم‬             ‫أو ساعتين‪ .‬وفي أثناء ذلك‬        ‫هذه البنية التي أودت بحياة‬
    ‫سرعان ما صار وجوده‬              ‫تسكن حركة الوكالة‪ ،‬فيسود‬
 ‫وجو ًدا عاد ًّيا معتا ًدا لا يلفت‬                                         ‫عباس كما حدث لكمال‬
‫نظ ًرا‪ ،‬ولا يحرك ساكنًا «لكن‬             ‫السكون الزقاق جمي ًعا»‬        ‫وأمه في السراب‪ ،‬إنه صراع‬
    ‫سرعان ما سحبت العادة‬                             ‫(ص‪.)70‬‬
   ‫عليها ذيول الإهمال فليس‬                                                 ‫الشخصية الضعيفة مع‬
                                                                       ‫الظروف المحيطة وصراعها‬

                                                                          ‫مع قدرها‪ ،‬وصراعها مع‬
                                                                           ‫مجتمعها الكبير وبيئتها‬

                                                                                       ‫الصغيرة‪.‬‬
                                                                           ‫إذا كنا تعرضنا لصورة‬

                                                                            ‫الزقاق من وجهة نظر‬
                                                                      ‫شخوصه‪ ،‬فإننا نعود لرؤية‬
                                                                      ‫الزقاق المكان من خلال تأثير‬
                                                                      ‫الزمن في كل فترة من فترات‬

                                                                          ‫النهار‪ ،‬ففي «الثلث الأول‬
                                                                      ‫من النهار يكتنف الزقاق جو‬

                                                                         ‫رطب بارد ظليل لا تزوره‬
                                                                      ‫الشمس إلا حين تشارف كبد‬

                                                                         ‫السماء فتتخطي الحصار‬
   259   260   261   262   263   264   265   266   267   268   269