Page 262 - m
P. 262

‫العـدد ‪60‬‬                  ‫‪260‬‬

                                        ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                 ‫في الرواية على حسب‬
                                                                    ‫الشخوص الواصفين‪،‬‬
‫شخصية السيد أحمد عبد الجواد في السينما‬                        ‫والرواة الساردين‪ ،‬بل وعلى‬
                                                              ‫حسب حالة الشخص نفسه‬
 ‫خصوصيته التي تجعل منه‬           ‫حين اختار المؤلف الزقاق‬          ‫من وقت لآخر‪ ،‬وحسب‬
‫شبكة متماسكة من العلاقات‪،‬‬           ‫جعله بنية مكانية ثابتة‬   ‫تطور وعيه بالمكان‪ ،‬ثم يتعدد‬
                                                                ‫الوصف أي ًضا على حسب‬
   ‫والخيوط التي تتشابك مع‬         ‫الشخوص‪ ،‬فهم ينزحون‬              ‫ساعات النهار‪ ،‬فوصف‬
 ‫بعضها البعض‪ ،‬حياة شاملة‬      ‫عنه‪ ،‬ويعودون إليه (الأزهر‪/‬‬     ‫الزقاق في الصباح يختلف عن‬
 ‫ناطقة‪ ،‬مترامية متقاربة‪ ،‬على‬                                  ‫وصفه في الظهيرة‪ ،‬ووصفه‬
 ‫مستوى الحركة والضجيج‪،‬‬          ‫الغورية‪ /‬الحلمية‪ /‬شريف‬       ‫في (ساعة العصاري) يختلف‬
                                ‫باشا‪ /‬ميدان الملكة فريدة‪/‬‬      ‫عن وصفه في المساء‪ ،‬وهذا‬
   ‫والصمت والسكون «ومع‬                                          ‫يؤكد على معرفة الشخص‬
‫أن هذا الزقاق يكاد يعيش في‬       ‫حانة فيتا‪ /‬عماد الدين‪)..‬‬         ‫معرفة تامة بالمكان لأنه‬
 ‫شبه عزلة عما يحدق به من‬            ‫كلها أماكن كانت مكا ًنا‬    ‫عاشه‪ ،‬فبقي فيه‪ ،‬إن البطل‬
 ‫مآرب الدنيا إلا أنه على رغم‬                                    ‫الرئيس في زقاق المدق هو‬
                                 ‫لتجوال شخوص الرواية‪،‬‬          ‫الزقاق المكان لا الشخوص‬
  ‫ذلك يضج بحياته الخاصة‬        ‫كما أنها كانت تجوال الطفل‬     ‫كما يذهب يوسف الشاروني‪،‬‬
      ‫حياة تتصل في أعماقها‬     ‫القديم الذي رأى‪ ،‬هي أماكن‬          ‫فالمؤلف «أراد أن يصور‬
     ‫بجذور الحياة الشاملة‪،‬‬      ‫خروجه للمدرسة‪ /‬للعب‪/‬‬            ‫حياة الزقاق نفسه بما فيه‬
                               ‫للتجوال‪ ،‬أو استكشا ًفا لمكان‬  ‫من خير وشر‪ ،‬فالمقصود هو‬
   ‫وتحتفظ إلى ذلك بقدر من‬     ‫يؤدي إلى مكان بصحبة رفاق‬          ‫الزقاق نفسه لا هذا البطل‬
      ‫أسرار العالم المنطوي»‬    ‫المكان بعد أن تخلص من يد‬
                   ‫(ص‪.)5‬‬                                                     ‫ولا ذاك»(‪.)6‬‬
                                 ‫الأم‪ ،‬ليخوض هو تجربته‬         ‫يبدأ محفوظ الرواية مشي ًرا‬
   ‫استطاع محفوظ أن يجعل‬                           ‫بنفسه‪.‬‬       ‫إلى تاريخ المكان كما سمعه‬
    ‫الزقاق متواز ًنا في شبكة‬                                    ‫حكيًا‪ ،‬أما نقطة البدء فتبدأ‬
                                   ‫نعود للزقاق حيث أشار‬       ‫من هنا‪ ،‬من إثبات هذا القول‬
   ‫علاقاته بين الخير والشر‪،‬‬       ‫الكاتب إلى أنه على الرغم‬   ‫على المكان الموجود الآن‪ ،‬كيف‬
  ‫وبين الثبات والحركة وبين‬         ‫من عزلة المكان إلا أن له‬     ‫لا‪ ،‬وطريقه المبلط بصفائح‬

                                                                 ‫الحجارة ينحدر مباشرة‬
                                                               ‫إلى الصناديقية‪ ،‬تلك العطفة‬
                                                              ‫التاريخية‪ ،‬وقهوته المعروفة‬

                                                                    ‫بقهوة (كرشه) تزدان‬
                                                             ‫جدرانها بتهاويل الأرابيسك‪،‬‬

                                                                  ‫هذا إلى قدم باد‪ ،‬وتهدم‬
                                                               ‫وتخلخل وروائح قوية من‬
                                                             ‫طب الزمان القديم الذي صار‬
                                                             ‫مع مرور الزمن عطارة اليوم‬

                                                                          ‫والغد (ص‪.)5‬‬
   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266   267