Page 245 - m
P. 245

‫‪243‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

        ‫الروائية عند محفوظ‬         ‫الفنية للرواية‪ ،‬بل نجح في‬         ‫المتتابعة التي عكست شغفه‬
     ‫أنها جمعت بين الحيوية‬          ‫ضفر نسيج خاص متزن‬                   ‫بالكتابة ووفاءه بمطالبها‬
  ‫والحياة والمتعة‪ ،‬وضفرتها‬      ‫تتواءم فيه وظيفة الكتابة مع‬              ‫المتشعبة‪ ،‬وموازنته بين‬
 ‫بالعناصر والمكونات الفكرية‬                                               ‫طبيعة الكتابة ومطالب‬
      ‫والسياسية والتاريخية‬                        ‫صنعتها‪.‬‬              ‫صنعتها من ناحية‪ ،‬وبين‬
      ‫والنفسية والاجتماعية‪،‬‬     ‫نقرأ أعمال نجيب محفوظ في‬                 ‫اهتمامه بوظيفة الكتابة‬

      ‫فكتابته ليست صناعة‬           ‫مراحل مختلفة من حياتنا‬            ‫وصلتها بمحيطها وعصرها‬
‫حكايات وحبكات أو سرديات‬          ‫وفي كل مرة نجدها ما زالت‬                 ‫ومجتمعها‪ ،‬فلم تتغلب‬
 ‫خالصة‪ ،‬مهما تكن قيمة هذا‬                                                ‫الطبيعة أو الصنعة على‬
                                    ‫ممتعة آسرة‪ ،‬ونعثر فيها‬
  ‫التحبيك في مضمار الكتابة‬          ‫على ما لم تكشفه قراءاتنا‬          ‫الوظيفة‪ ،‬ولم ُي ْع ِل من شأن‬
   ‫القصصية‪ ،‬ولكنها تصنع‬             ‫السابقة‪ ،‬كأنها لا تسنفد‬         ‫الوظيفة على حساب المتطلبات‬
 ‫الحبكات لتأدية أغراض أبعد‬
‫من ظاهر الحكاية وأسلوبها‪،‬‬            ‫بقراءة أو قراءات قليلة‪،‬‬
 ‫ولذلك فرغم اعتماد محفوظ‬          ‫ولا يجد الملل أو ال ِق َدم إليها‬
   ‫المتقن على تقنيات الحكاية‬     ‫سبي ًل‪ ،‬ونقف أمام ما شيده‬
‫والسرد‪ ،‬فإن الخيوط الفكرية‬       ‫من عالم ممتد‪ ،‬ونعجب لهذا‬
 ‫والفلسفية وخيوط السياسة‬
   ‫والواقع الاجتماعي خيوط‬           ‫العدد الهائل من الأماكن‬
 ‫أساسية في نسيجه الروائي‬              ‫والبيئات والشخصيات‬
  ‫لا يستقيم فهمه من دونها‪،‬‬         ‫والنماذج والتفاصيل التي‬
   ‫ويهيأ لنا أحيا ًنا أن مهمته‬  ‫تمكن من تقديمها‪ ،‬وإذا كانت‬
‫التي ندب نفسه لها تتمثل في‬       ‫الحياة والواقع ممتلئين ح ًّقا‬
 ‫المقاربة بين مشاغله الفكرية‬    ‫بكل ذلك‪ ،‬فإن بناء عالم موا ٍز‬
    ‫والسياسية والاجتماعية‬          ‫يعكس ثراء الواقع ويحلله‬
    ‫وكيفية تقديمها والتعبير‬       ‫ويتجه به اتجا ًها جدي ًدا في‬
‫عنها من خلال فنون صناعة‬          ‫حبكات سردية تعيد تنظيمه‬
 ‫الحبكة الروائية‪ ،‬ولذلك فإن‬        ‫وموضعته ليست أم ًرا‬
‫مشاغله الفكرية لا تقل أهمية‬      ‫سه ًل أو ميسو ًرا‪،‬‬
 ‫عن المشاغل الأدبية الصرفة‬        ‫فالكتابة الروائية‬
  ‫التي قدمها وعبر عنها أدبه‬     ‫والقصصية ليست‬
                                     ‫مجرد اختيار‬
                    ‫العظيم‪.‬‬       ‫من الواقع أو من‬
    ‫ومن المحطات البارزة في‬      ‫الأجزاء التي نعرفها‬
    ‫مسيرته ما يمكن للقارئ‬       ‫منه‪ ،‬وإنما هي عملية‬
   ‫أن يلاحظه حين جعل من‬           ‫معقدة ننتظر منها‬
‫الرواية سبي ًل لمساءلة العصر‬    ‫أن تكشف عن حركة‬
     ‫والواقع فوضع الرواية‬          ‫الواقع وتتخذ منه‬
                                 ‫موق ًفا‪ ،‬وتعيد تركيبه‬
      ‫بحنكة ومهارة في قلب‬            ‫من خلال طاقتها‬
‫اهتمامات العصر‪ ،‬وخرج من‬              ‫التمثيلية الرفيعة‪.‬‬
 ‫هذه المساءلة بروايات تنتمي‬
                                       ‫ولعل بعض ما‬
                                    ‫امتازت به الكتابة‬
   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249   250