Page 248 - m
P. 248

‫العـدد ‪60‬‬                              ‫‪246‬‬

                                 ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                      ‫الرواية الفكرية المتسائلة التي‬
                                                                    ‫تتخذ مكوناتها من مكونات‬
 ‫الذي لا ينفصل عن تقنياتها‬          ‫يصعب فهمه والإحاطة به‬
           ‫وأدواتها الأدبية‪.‬‬          ‫دون الانتباه إلى العلاقة‬    ‫واقعية ظاهرية ولكنها تحيلها‬
                                                                     ‫إلى رموز أو مفاتيح لما هو‬
    ‫ومع مجيء ثورة يوليو‬          ‫الوثيقة في تكوينه بين الأدب‬         ‫أبعد في الوجود الإنساني‪،‬‬
     ‫‪ 1952‬توقف مؤقتًا عن‬            ‫والفلسفة‪ ،‬وانعكست هذه‬
 ‫كتابة الرواية ليفهم المجتمع‬          ‫العلاقة على العمق الذي‬       ‫فكانت رواية (أولاد حارتنا)‬
‫الجديد‪ ،‬ويتمكن من متابعته‪،‬‬         ‫يلاحظه القارئ في رواياته‬       ‫و(ملحمة الحرافيش) و(رحلة‬
‫في وقفة معروفة في مسيرته‬                                          ‫ابن فطومة) على سبيل المثال‬
  ‫امتدت بضع سنوات‪ ،‬تدل‬           ‫حتى لو لم تنط ِو صراحة على‬
‫على أن الروائي المتمكن ليس‬         ‫العنصر أو المناخ الفلسفي‪.‬‬         ‫علامات مهمة على توظيف‬
 ‫ص ًدى تلقائيًّا ولا آلة كتابية‬    ‫ويقع تقديره للعلم والعقل‬             ‫محفوظ المتجدد للحارة‬
   ‫جاهزة للعمل‪ ،‬وإنما يقوم‬            ‫في منطقة قريبة من هذا‬
    ‫عمله على التفكير والفهم‬        ‫الذي نذكر به‪ .‬وما أكثر ما‬       ‫المصرية‪ ،‬لتغدو حارة كونية‬
  ‫والتدبر والتأمل والتأني‪..‬‬                                          ‫تنطلق منها أسئلة الوجود‬
                                 ‫تنطوي شخصياته على أفكار‬              ‫كله‪ .‬وتقدم بروية أسئلة‬
      ‫وعندما خرج من هذه‬           ‫فلسفية تحركها‪ ،‬في الباطن‪،‬‬          ‫كونية مدوية‪ ،‬في حوار لا‬
    ‫المرحلة وجدناه يتجه إلى‬        ‫ويكون الظاهر من سلوكها‬             ‫ينقطع عن معنى الوجود‬
‫ألوان من الروايات القصيرة‬                                                              ‫ومآله‪.‬‬
 ‫(النوفيلا) وكتابة القصص‬              ‫وحركتها استجابة لتلك‬              ‫وهذا الضرب الفكري‪-‬‬
                                 ‫الأفكار والأسئلة‪ ،‬بل ما أكثر‬
      ‫القصيرة والحواريات‬                                          ‫الفلسفي يعكس جانبًا أصي ًل‬
   ‫السردية التي تبدو خلي ًطا‬         ‫ما يورد أسماء الفلاسفة‬       ‫في تكوين محفوظ واهتماماته‬
  ‫من القصة والمسرحية‪ ،‬مع‬            ‫وكتبهم وبعض مقولاتهم‬           ‫المبكرة‪ ،‬بل واختياره دراسة‬
 ‫طبقة من الغموض والاتجاه‬            ‫على ألسنة شخصياته‪ ،‬أي‬
 ‫إلى التعبيرية والرمزية التي‬     ‫أنه ط َّوع المادة الفلسفية التي‬     ‫الفلسفة مجا ًل لتخصصه‬
  ‫لا تكشف معناها بيسر أو‬           ‫شغف بها ودرسها دراسة‬              ‫الجامعي‪ ،‬وأفضل ما فعله‬
‫انكشاف‪ ،‬ورغم أنه لم يفارق‬          ‫عميقة منظمة وظل متص ًل‬           ‫أنه دمج هذا الخط الحيوي‬
                                  ‫بها في سنوات عمره للمادة‬           ‫الفارق مع موهبته الأدبية‬
    ‫أرضيته الواقعية في كل‬           ‫الأدبية التي أراد تقديمها‪.‬‬     ‫مكتفيًا من الفلسفة الخالصة‬
  ‫مراحلة فإن هذه الأرضية‬             ‫وهذا أحد أسرار الصنعة‬         ‫بالمقالات المبكرة التي نشرها‬
                                  ‫المحفوظية في بعدها الفكري‬
                                                                                     ‫بتشجيع‬
                                                                                      ‫أستاذه‬
                                                                               ‫سلامة موسى‬
                                                                                ‫صاحب المجلة‬
                                                                              ‫الجديدة‪ ،‬ولذلك‬
                                                                                   ‫فإن قطا ًعا‬
                                                                                   ‫واس ًعا من‬
                                                                                ‫إنتاج محفوظ‬
                                                                                     ‫الروائي‬
                                                                                  ‫ومن تكوين‬
                                                                                   ‫شخصياته‬
                                                                                  ‫ومن أسئلته‬
                                                                                     ‫السردية‬
   243   244   245   246   247   248   249   250   251   252   253