Page 232 - m
P. 232

‫العـدد ‪60‬‬                             ‫‪230‬‬

                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                       ‫إبداعه وتأثيرها الاجتماعي‬
                                                                        ‫والسياسي وقدرتها على‬
  ‫شيئًا نبي ًل بدافع غير نبيل‪.‬‬         ‫المسارح أو في المسلسلات‬         ‫الكشف والتعرية من جهة‬
 ‫إلا أن هذا كله يبقى في حيز‬           ‫الإذاعية والتلفزيونية أو في‬                       ‫أخرى‪.‬‬
                                      ‫الأعمال السينمائية من كل‬
                 ‫الظنون)»‪.‬‬          ‫الزوايا الممكنة وبكل وجهات‬        ‫لقد رحل نجيب محفوظ إلى‬
‫هذه الملاحظة التي يمكنها أن‬                                          ‫ما نسميه إلى الآن بـ»الموت»‬
 ‫تلخص الكثير من النقاشات‬                 ‫النظر المتباينة والمختلفة‬
                                     ‫والمتعارضة‪ .‬والأهم من كل‬          ‫مثل الكثيرين الذين رحلوا‬
  ‫البيزنطية وتدحضها في آن‬                                              ‫من قبله‪ ،‬والآخرين الذين‬
   ‫م ًعا‪ ،‬دليل ومرشد ُم ِه َّم َين‬      ‫ذلك توطينها في المدارس‬
                                    ‫والجامعات والمراكز البحثية‪،‬‬             ‫سيرحلون الآن وفي‬
     ‫لنا على ضرورة الإقلاع‬                                          ‫المستقبل‪ .‬ولا أحد يعرف ماذا‬
    ‫عن التخمينات باعتبارها‬                ‫وتناولها في الدراسات‬
 ‫يقينًا‪ ،‬والإقلاع عن التمترس‬            ‫العلمية‪ .‬ونجيب محفوظ‬           ‫حدث معهم‪ ،‬أو ماذا يمكن‬
   ‫خلف الرؤى الإيديولوجية‬               ‫مثال جيد على هذا النمط‬        ‫أن يحدث لهم في المستقبل‪.‬‬
  ‫وإنما العودة إلى المنهج لأن‬         ‫من الفعل‪ ،‬لأنه كاتب مهم‪،‬‬      ‫فالموت إلى الآن مجرد ظاهرة‬
   ‫الإيديولوجية إحدى صور‬                ‫ولأن أعماله مهمة‪ ،‬ولأنه‬      ‫عبثية قيد البحث‪ ،‬ربما يجد‬
    ‫أو إحدى تجليات المنهج‪.‬‬          ‫حصل على أرفع جائزة أدبية‬           ‫العلم لها تفسي ًرا مقن ًعا أو‬
    ‫وكذلك الإقلاع عن اللغط‬             ‫في العالم منذ مطلع القرن‬
 ‫وقصر النظر وتفريغ الأمور‬           ‫العشرين‪ ،‬بصرف النظر عن‬              ‫يقدم لنا صيغة متماسكة‬
   ‫من مضامينها‪ ،‬وفي نهاية‬              ‫اختلافنا أو اتفاقنا بشأن‬         ‫لها في المستقبل‪ .‬لكن كل‬
 ‫المطاف نجد أنفسنا ندور في‬          ‫سياسات لجنة الجائزة أو ما‬         ‫ما نملكه بعد رحيل هؤلاء‪،‬‬
  ‫حلقة مفرغة من التأويلات‬           ‫يتم تداوله من خرافات حول‬        ‫ومن ضمنهم نجيب محفوظ‪،‬‬
   ‫والتفسيرات الخارجة عن‬              ‫طبيعة الجائزة‪ .‬وهنا يمكن‬        ‫هو أعمالهم وما تركوه من‬
     ‫السياقات‪ ،‬وأننا نقف في‬           ‫أن نعود إلى ملاحظة مهمة‬          ‫إرث يمكن أن يكون مفي ًدا‬
 ‫نفس أماكننا متصورين أننا‬           ‫كتبها الدكتور رشيد العناني‪،‬‬          ‫وبنَّا ًء‪ ،‬وصال ًحا لتشييد‬
    ‫نتحرك‪ ،‬بينما نحن ندور‬             ‫أحد أهم النقاد والمترجمين‬     ‫قاعدة انطلاق متحولة‪ ،‬بحكم‬
 ‫حول أنفسنا‪ ،‬وحول بعضنا‬                 ‫وباحثي الأدب المصريين‬          ‫طبيعة الإبداع الذي يمتلك‬
     ‫في دائرة مغلقة ومفرغة‬            ‫الذين تناولوا أعمال نجيب‬      ‫قيمة متغيرة ومتحولة بمرور‬
                                       ‫محفوظ بلغتها العربية أو‬          ‫الزمن‪ ،‬ومع الحرص على‬
                  ‫وملغومة‪.‬‬            ‫في سياقات ترجمتها للغات‬          ‫البحث والتنقيب فيه‪ ،‬ومع‬
          ‫وفي نهاية المطاف‪،‬‬            ‫الأخرى‪ ،‬والذي قال فيها‪:‬‬       ‫التراكمات الثقافية والمعرفية‬
         ‫يصطدم عالم نجيب‬             ‫«إن الذي أعرفه يقينًا هو أن‬    ‫التي تسمح لنا بإعادة القراءة‬
   ‫محفوظ ونماذجه بالنخب‬             ‫محفوظ يستحق عشر جوائز‬            ‫والبحث والتنقيب والتفسير‪.‬‬
     ‫الانتهازية و»التأويلات»‬            ‫نوبل لا واحدة‪ .‬لكن هل‬       ‫إن مسألة الاحتفاء والاحتفال‬
      ‫قصيرة النظر الخارجة‬              ‫دخلت اعتبارات غير أدبية‬        ‫بيوم ميلاد الكاتب‪ ،‬هي في‬
      ‫عن السياقات الإبداعية‬            ‫في قرار الأكاديمية؟ يبقى‬         ‫الواقع حيلة مهمة لتقديم‬
    ‫والتاريخية‪ ،‬والتفسيرات‬             ‫هذا في مجال الافتراضات‬            ‫كشف حساب سنوي لا‬
    ‫الساذجة المتمرسة خلف‬              ‫والتخمينات‪( .‬وهي مشكلة‬          ‫لقراءة أعماله فقط أو إعادة‬
 ‫الإحساس بالفشل والهزيمة‬
     ‫وقلة الحيلة‪ ..‬وتصطدم‬                 ‫محكمي نوبل وليست‬                ‫قراءتها‪ ،‬وإنما لتوطين‬
  ‫رؤى محفوظ الاجتماعية‪-‬‬             ‫مشكلتنا ولا مشكلة محفوظ‪.‬‬              ‫هذه الأعمال وتحويلها‬
‫السياسية مع إخفاقات النخب‬            ‫في بعض الأحيان قد يصنع‬               ‫إلى أشكال فنية أخرى‪،‬‬
‫المعطوبة واختياراتها الفاشلة‬                                           ‫مثل تقديمها على خشبات‬
                                       ‫الإنسان أو لجان التحكيم‬
   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237