Page 120 - merit 48
P. 120

‫العـدد ‪48‬‬                          ‫‪118‬‬

                                                              ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫نشوان عزيز عمانوئيل‬

‫(العراق‪ /‬استكهولم)‬

‫طائرة ورقية‬

 ‫صوب الغابة وبوابة الحلم‪ ..‬أو كأرملة مذعورة في‬           ‫في داخل كل منا صو ٌت خاص يظهر على شكل‬
                           ‫زمن الحروب الأهلية‪.‬‬          ‫ومضات خاطفة من ترياق الجنون‪ ..‬أو الأسى‪،‬‬
                                                     ‫يأتي أحيا ًنا على شكل نداء أو عصارة وجع لتاري ٍخ‬
‫ولا أنسى كيف أن ذلك الصوت كان يرن في رأسي‬              ‫مهشم‪ ..‬أو س ِّمه ما شئت‪ ..‬هو في النهاية صو ٌت‬
                   ‫مثل جرس من أبواب الجحيم‪.‬‬
                                                                     ‫خا ٌّص بك ولا يشبه أح ًدا سواك‪.‬‬
   ‫حلمت كأني في غرفة بلون الحلم والورد‪ ،‬وكنت‬         ‫كانت تلك هي المرة الثالثة التي أحاول فيها أن أكتم‬
   ‫أنا أبكي بجنون فوق مخد ٍة بلون السماء‪ ..‬رأيت‬
   ‫عصافير صغيرة بيضاء تحاول الطيران دون أن‬               ‫هذه الأنفاس التعيسة‪ ..‬كنت قد سئمت ح ًّقا أن‬
    ‫تقدر على التحليق‪ ..‬كأنها كانت في سج ٍن كبير‪..‬‬    ‫أكون نصفين ولكن قبل ذلك كله أتذكر قبل دخولي‬

     ‫وغيمة تمد يدها صوب النجوم دون أن تلمس‬                ‫المستشفى بلحظات قصيرة كان هناك صوت‬
                                        ‫الضوء‪.‬‬                         ‫يناديني أنا من الغابة المجاورة‪.‬‬

     ‫رغم أنني كنت على حافة الحياة إلا أنني رأيت‬            ‫صو ٌت ليس ككل الأصوات‪ ..‬له خصوصيته‬
  ‫اسلا ًكا كثيرة تغطي جسدي‪ ..‬كنت أسمع نبضات‬            ‫وأبعاده‪ ..‬صو ٌت بعيد بذبذبات مجنونة يسحقني‬
   ‫قلبي على آلة نحاسية ذات إطار أبيض تمتد منها‬
                                                                                   ‫سح ًقا رغ ًما عني‪.‬‬
                     ‫أسلاك ناعمة بألوان مختلفة‪.‬‬        ‫كان ذلك قبل أن أستيقظ فجأة من موتي المؤجل‬
       ‫قلبي ما زال ينبض‪ ..‬ياله من قلب شجاع‪..‬‬         ‫ومن كابوس حياتي ومن جحيم الآخرين‪ ،‬والوقت‬
   ‫ح ًّقا‪ ،‬كيف أنني كنت مختل ًفا عن الآخرين إلى هذا‬    ‫كان في ما بعد منتصف العمر‪ ..‬أتذكر جي ًدا كيف‬
                                                     ‫أني قبل ذلك كنت على نقالة متهالكة تجري بجنون‬
                                          ‫الحد‪.‬‬         ‫عبر ممرا ٍت بيضاء طويلة ج ًّدا ولا نهائية‪ ،‬ومن‬
        ‫كانت لد َّي أكثر من حياة‪ ..‬وأكثر من موت‪.‬‬      ‫حولي كائنات غريبه تحدق في وجهي شبه الممزق‪.‬‬
‫حتى جنوني كان مختل ًفا‪ ..‬كان جنو ًنا من نوع آخر‪.‬‬       ‫وهناك خلف النقالة شب ٌح يدفعني بجنون للأمام‬
 ‫كان هناك فوق رأسي ضوء ساطع كالشمس يملأ‬
                                                                       ‫ويتمتم بكلما ٍت لم أكن أفهمها‪.‬‬
                       ‫عقلي الفارغ حينها بالنور‪.‬‬        ‫كل شيء ليس ككل شيء‪ .‬وكأنني كنت أركض‬
     ‫مرت سنوات ضوئية طويلة‪ ،‬أو لربما لحظات‬               ‫وأركض مثل إبليس هار ًبا من فردو ٍس مفقود‬
   ‫قصيرة‪ ،‬حين وجدت نفسي في حالة وسطى من‬
   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125