Page 117 - merit 48
P. 117
115 إبداع ومبدعون
قصــة
إن كنت وضعته أم لا .عدت أدراجي مسرعة ،لكنني بدأ يتسلل إل َّي.
لم أر البيت ،ولا أجد لبوابته العريضة أث ًرا .ذرعت دخلت بسرعة وأغلقت البوابة خلفي ،ونظرت إلى
الطريق جيئة وذها ًبا ،أصرخ في هلع ،أبحث عن كل ركن في البيت .كل شيء كما هو :الحوائط ذات
البيت وبوابته بلا جدوى .الشابان واقفان مكانهما، اللون الأبيض اللامع ،والأنتريه ذو اللونين الأحمر
وصوت وديع الصافي كما هو يصدح في الراديو، والأسود ،والسيراميك البراق الذي اختاره زوجي
والنساء المتشحات بالسواد ،والمرأة تتوسطهن .كل بنفسه رغم اختلافنا على اللون ،لكنني تنازلت عن
شيء في مكانه إلا البيت ببوابته العريضة وزير اللون الذي أحبه رغبة في إرضائه .لا شيء داخل
المياه الذي صار جا ًّفا ،واليافطة المكتوب عليها :زاد البيت يختلف عما أعرفه .لا شيء يثير دهشة أو
المسافر في رحلته «الطويلة». خو ًفا أو ارتبا ًكا .كل شيء في مكانه تما ًما .مه ًل! إن
صورتي التي أعتز بها في البرواز مقلوبة.
تقدمت بخطى مرتبكة نحو البرواز ،الذي أهدتني
إياه ابنتي حين حصل ُت على الدكتوراة .اختارت
وقتها أكثر صورة أحبها ،وحفظ ْتها في إطار ثمين.
فرح ُت بها ج ًّدا ،وثب ُّتها على الحائط في البيت الجديد.
رفعت البرواز أمام عيني ،كان سلي ًما لم ينكسر فيه
شيء ،لكن شيئًا مختل ًفا في وجهي لم يكن موجو ًدا
من قبل :ثلاث شعرات بيض في حاجبي الأيسر.
لدهشتي وجدتني أعيد وضع البرواز على الحائط
مقلو ًبا كما كان ،ثم خرجت من البيت دون أن
أهاتف ابنتي أو أسألها عن شيء.
على اليسار ما زال الشابان يقفان لكنهما ابتعدا عن
البيت قلي ًل ،يصدح صوت وديع الصافي في الراديو
الذي يحمله أحدهما:
داري الدمع يا عين
داري داري
داري الدمع يا عين
متزوديش الغيم
في رب اسمه كريم
ساعة المحن ستار
راحوا فين حبايب الدار؟
فين؟ فين؟
فين؟ فين؟ قولي يا دار
على اليمين في الفراغ الشاسع الممتد أمام البيت ما
زالت المرأة الحازمة تتوسط الجمع من النساء
المتشحات بالسواد ،تمد كل منهن إليها يدها
براديو قديم تتصاعد منه نغمات مشوشة.
بضع خطوات سرتها في الشارع الضيق،
ثم انتبهت إلى أنني لم أضع القفل على
الباب بعد خروجي .في الحقيقة لا أتذكر