Page 115 - merit 48
P. 115

‫‪113‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

                               ‫يا له من سؤال!‬           ‫كنت قد فقدت القدرة على التذوق وأكدت لي ابنتي‬
             ‫“أنا مدمنة انتي بيوتيك كما تعلم”‪.‬‬         ‫أنني لست بحاجة لفقد وزن‪ .‬كانت تظن أنني أتبع‬
  ‫قصدت المزاح‪ .‬لكنني كنت أشعر بمرارة الحياة‬             ‫حمية‪ .‬لكنني فع ًل كنت بشهية جيدة لكن لا شيء‬
     ‫تحت رحمة دواء يدخل جسدك محار ًبا عد ًّوا‬          ‫له طعم‪ .‬ذهبت للطبيب الذي يهوى سماع «الستات‬
 ‫منتش ًرا في خلاياك‪ .‬لكنه محارب أطبش لا يميز‪.‬‬           ‫اللي عقلهم فارغ» كما ُيقال عنه‪ .‬طبيب للفضفضة‬
‫كانت المضادات الحيوية تستهلك جسدي في حالة‬
                                                          ‫بمئات الجنيهات في الساعة الواحدة‪ .‬أقص عليه‬
                                  ‫تحلل بطيئة‪.‬‬             ‫ُط َر َف حياتي وما يضايقني وما يخطر ببالي أن‬
                                 ‫الطبيب سأل‪:‬‬               ‫أثرثر فيه معه‪ .‬عندما ذهبت إليه أشكو فقداني‬
                    ‫“بيعملوا أطباقك المفضلة؟”‬         ‫حاسة التذوق‪ ،‬ربما كانت المرة الأولى التي أخذ فيها‬
‫وما هي أطباقي المفضلة؟ أنا أخاف المعجنات لأنها‬
  ‫تجلب السيلوليت وأكره الحلوى لأنها تصنع لي‬                                    ‫كلامي على محمل الجد‪.‬‬
 ‫ُلغ ًدا ولا أحب الأكل النيئ كالخضروات والفاكهة‬              ‫وصفت له بالتفصيل كيف أنني لم أعد أميز‬
        ‫لأنه ليس جذا ًبا‪ .‬ما هي أطباقي المفضلة؟‬         ‫الطعام الحريف من البارد وكيف أن الملح والسكر‬
                              ‫سأل مرة أخرى‪:‬‬               ‫صنوان في فمي الآن‪ .‬سألني إن كنت قد غيرت‬
               ‫“بتاكلي لوحدك ولا مع الأسرة؟”‬            ‫شيئًا في طريقة إعداد الطعام‪ .‬أكدت له أن عاداتنا‬
    ‫يا له من سؤال! كيف يمكن لمن كانت مثلي أن‬              ‫في الأكل لم تتغير‪ .‬بل ازدادت صلابة مع مرور‬
  ‫تتناول الطعام لوحدها؟ وصديقاتي ال ُك ُثر و ِشلَّة‬      ‫الوقت‪ .‬زوجي يحضر لنا أفخم مكونات الطعام‪.‬‬
  ‫العمل الخيري و ُزمرة المريدين الذين يتمسحون‬          ‫بستجلب البعض منها من محافظات نائية‪ .‬يحضر‬
                    ‫بعتبتي كي يصلوا لزوجي؟‬                ‫لبيتنا اللحم المذبوح خصي ًصا لأسرتنا‪ .‬يحضر‬
           ‫أسئلة الطبيب توالت بلا هدف محدد‪:‬‬              ‫لنا لحو ًما لا تتوافر على موائد الشعب‪ .‬هل سبق‬
     ‫“ب ْت ِحنِّي لطريقة أكل كنت بتاكلي بيها زمان؟‬       ‫للطبيب أن تذوق طعم لحم النعام أو الغزال؟ هل‬
    ‫إيه ذكرياتك الحلوة عن الأكل وأنت صغيرة؟‬            ‫ذاق زعانف القرش كمشهيات؟ طقم الخدمة يتبدل‬
                               ‫عرفي لي الشبع‪.‬‬         ‫بعض أفراده لكن الطاهي ومساعديه لا يتوانون في‬
   ‫التنويع في الأكل بين مطابخ مختلفة محسسك‬             ‫توفير قوائم الطعام التي نطلبها‪ .‬أطلعته على الرقم‬
                 ‫بالترقب وقت الأكل ولا القلق؟‬           ‫الذي ُي َذ ِّيله زوجي بتوقيعه كل شهر أسفل الشيك‬
                      ‫فكرت تطبخي بإيديكي؟»‬                ‫المصروف لطاقم الخدمة في المطبخ‪ .‬حتى طبيب‬
‫ضحكت بصوت عال‪« .‬ريما» نظرت إل َّي في تسلية‪.‬‬             ‫الأثرياء المتخمين بوقت فراغ كبير اندهش و َص َّفر‬
    ‫لا يعلم طبيبي أنني تناولت هذا العشاء بمزاج‬         ‫كالمتسكعين على طرقات العوز والبحث عن وظيفة‪.‬‬
‫واستطعمت كل لقمة فيه‪ .‬خصو ًصا اللحم المشوي‬               ‫ألم يكن يعلم أني زوجة رجل من المعدودين على‬
 ‫بصوص الباربيكيو‪ .‬بقاياه تلمع في طبق «ريما»‪.‬‬           ‫أصابع اليد الواحدة؟ ألم يسمع عن أياديه البيضاء‬
                  ‫أشهى قطعة فيه منحتها إياها‪.‬‬               ‫على الصناعة الوطنية؟ ألم ي َر صورته تتصدر‬
   ‫في الطريق إلى الخارج‪ ،‬ارتسمت على ركن فمي‬           ‫الصحف لدعمه جهود الدولة في الاستثمار الأجنبي‬
‫ابتسامة صغيرة إلى النادل‪ ،‬وتركته يستوعب على‬             ‫وترويجه للاقتصاد المصري في الخارج؟ لا بد أنه‬
               ‫َم َهل المبلغ الذي فاز به تلك الليلة‪.‬‬      ‫يعرف‪ .‬أنا أتقدم لطاقم سكرتاريته دائ ًما باسم‬

                               ‫هامش‪:‬‬                                                          ‫زوجي‪.‬‬
                                                                 ‫من أنا يا طبيب؟ ألم تكن تعرف من أنا؟‬
        ‫‪ -1‬بلايند داتس بالإنجليزية ‪blind dates‬‬        ‫الطبيب قلَّب في أوراقه‪ .‬يد ِّون أشياء عني لا يطلعني‬
‫يعني أن يتقابل رجل وامرأة دون سابق معرفة على‬             ‫عليها‪ .‬لا تعنيني كثي ًرا لأن القراءة ترهق بصري‬

                                   ‫العشاء مث ًل‪.‬‬                             ‫ولا أود العبث به‪ .‬سألني‪:‬‬
                                                                               ‫“خدتي أدوية مؤخرا؟”‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120