Page 110 - merit 48
P. 110

‫العـدد ‪48‬‬   ‫‪108‬‬

                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫نادية توفيق‬

‫ثلاث قصص‬

      ‫“هي لبست الحجاب فترة بسيطة في الصيف‬                            ‫انحراف‬
                         ‫وبعدين رجعت عادي”‪.‬‬
                                                        ‫“بتقولي كانت محجبة وقلعت الحجاب؟”‪ .‬توقفت‬
              ‫يشير الضابط إلى الآخر الذي يدون‪:‬‬           ‫شهقات «نيفين» التي كانت تخنق صوتها للتو‪.‬‬
     ‫“من امتى وهي بتركب عربيات مع الشبان؟”‪.‬‬
 ‫تتجنب «نيفين» النظر باتجاه أبيها‪« .‬عبد الرحمن»‬         ‫كلمات الضابط تتراقص أمام أعينها‪ .‬أبوها تململ‬
   ‫في العناية المركزة و»هانيا» لم تعد معهم‪َ ِ .‬ل هذا‬  ‫وقال شيئًا للضابط لم تميزه‪ ،‬لكن هذا الأخير أشار‬
‫الخوض في سيرتهما؟ كل شيء يبدو عدميًّا‪ .‬ما كان‬
‫يجب أن يتدخل هذا الضابط في أي شيء‪ .‬إنه يفسد‬                          ‫لها «قلعته ليه بقى الست هانيا؟»‪.‬‬
                                                           ‫تلعثمت‪ .‬الذكريات تبدو باهتة في هذه اللحظة‪.‬‬
                    ‫المأساة‪ .‬يحولها إلى هزل دا ٍم‪.‬‬        ‫تسمع صوت «هانيا» في أذنها وهي تحكي لها‬
       ‫“عبد الرحمن زميلنا وكان ساعات يوصلها‬              ‫على التليفون ما جرى من «عبد الرحمن»‪ ،‬أو ما‬
                                                      ‫اشترته مع أختها‪ ،‬أو تشكو لها من تطفل القريبات‬
                                       ‫الدرس”‪.‬‬        ‫في شؤونها الخاصة‪ .‬مشاكل كلها بناتي ليس فيها‬
          ‫يلقي الضابط بالقلم بعصبية على المكتب‪:‬‬
     ‫“كانوا في الصحراوي بيوصلها درس في ال ِه ّو‬                    ‫سؤال واحد ضخم مثل هذا السؤال‪.‬‬
                                                        ‫ربما أجابت‪ .‬ربما قالت إن “هانيا لبست الحجاب‬
                                          ‫ده؟”‪.‬‬
  ‫تشهق «نيفين» عدة مرات‪ .‬كانت فكرة حمقاء‪ .‬أن‬                      ‫فترة بسيطة”‪ ،‬ربما قالت “معرفش”‪.‬‬
   ‫يجعلها تقود السيارة‪ .‬أن يعلمها القيادة على ذلك‬                                  ‫لم يكن الأمر مه ًّما‪.‬‬

     ‫الطريق‪ .‬كان «عايز يجمد قلبها» وقد تجمد إلى‬           ‫لكن الضابط يسأل وكأن كل الزمن قد توقف‪:‬‬
                                          ‫الأبد‪.‬‬              ‫“هي مكانتش تعرف إنه َف ْرض ولا إيه؟»‪.‬‬

                  ‫“كان‪ ..‬كان بيعلمها‪ ..‬السواقة»‪.‬‬        ‫يحملق بـ»نيفين» بطريقة تجعلها تنظر في اتجاه‬
  ‫الضابط يتنهد‪ .‬يوجه تعليمات لمن يدون‪ .‬ينظر إلى‬             ‫أبيها الذي يجلس متأهبًا الآن‪ .‬هناك توتر في‬

                              ‫الأب ثم إلى الابنة‪:‬‬      ‫الغرفة‪ .‬تنظر نيفين مرة أخرى إلى الضابط الحليق‬
   ‫“هنطبع أقوالك وتمضي عليها”‪ .‬يقول للأب «لو‬               ‫وهو يعبث في قلم بيده وينتظر بنفاذ صبر أن‬
                                                                                               ‫تتكلم‪:‬‬
            ‫اهتمينا ببناتنا نحميهم من الانحراف»‪.‬‬                                       ‫“مش عارفة”‪.‬‬
    ‫تخرج «نيفين» إلى الشارع‪ .‬يمسك أبوها بيدها‪.‬‬                  ‫“يعني صاحبتك تتحجب وبعدين تقلعه‬
                                                                                  ‫ومتسأليهاش ليه؟”‪.‬‬
                                      ‫تهمس له‪:‬‬
                 ‫“هانيا مكانتش منحرفة يا بابا”‪.‬‬       ‫يعاود الحملقة بشعرها المكوم في كعكة غير ُمعتنى‬
                                                                                  ‫بها في أسفل رأسها‪.‬‬
           ‫جدتي والوشاح‬
                                                         ‫لقد ج َّرت جسدها المنهك من البكاء وقلة الطعام‬
‫شعري الكثيف المجعد العنيد الذي حاولت أن أقمعه‬                 ‫والنوم وحبات الصداع كي تعطي أقوالها‪.‬‬
 ‫بالبنسات والأربطة المطاطية السميكة‪ ،‬فلم أستطع‪.‬‬
                                                        ‫فكرت في أمها التي تنتظر خروجهما في السيارة‪.‬‬
   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115