Page 108 - merit 48
P. 108

‫العـدد ‪48‬‬   ‫‪106‬‬

                                                        ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫فكري داود‬

‫بيت العناكب‬

   ‫جريدة اليوم‪ ،‬أو تأخذه جولته اليومية مع جهاز‬          ‫لا يعرف معظم أهل البلدة‪ ،‬مدى الجهد المبذول بحق‬
   ‫(المحمول)‪ ،‬متنق ًل بين الفيس بوك‪ ،‬واليوتيوب‪،‬‬            ‫أو دون حق‪ ،‬كي يقيم الرجل هذا البيت‪ ،‬فالرقعة‬
  ‫والمواقع (الإباحية)‪ ،‬غير مكترث بنظراتها النارية‬
 ‫نحوه‪ ،‬وهو يتابع حركة الأجساد العارية‪ ،‬بشغف‬             ‫الكائن فوقها‪ ،‬تعد جز ًءا من حرم الطريق الرئيسي‪،‬‬
                                                           ‫الذي يمر بجوار عدة بيوت متباعدة‪ُ ،‬بنِ َيت بنفس‬
                                      ‫المراهقين‪.‬‬                           ‫الطريقة‪ ،‬بات بيته واح ًدا منها‪.‬‬
‫على واجهة البيت المواجه للإسفلت‪ ،‬توجد آثار طلاء‬              ‫لم يتمكن أحد من زحزحته‪ ،‬أو النيل منه‪ ،‬رغم‬
‫بعض السيارات‪ ،‬التي سبق واحتكت بالجدار‪ ،‬وهي‬
‫تبطيء من حركتها‪ ،‬بعد انحرافها عن الطريق قلي ًل‪،‬‬          ‫قرارات الإزالة المتتالية‪ ،‬هل لوظيفة الرجل الكبرى‪،‬‬
                                                          ‫أو لخطوته الواسعة َد ْخ ٌل في هذا‪ ،‬أم أن هناك ثمة‬
                           ‫قبل معاودة الانطلاق‪.‬‬         ‫رشاوى‪ ،‬أو ِح َيل قانونية سابقة ‪-‬أو غير قانونية‪-‬‬
 ‫يقف متنم ًرا‪ ،‬يشعل سيجارة‪ ،‬يسحب نف ًسا عمي ًقا‪،‬‬        ‫نفعته‪ ،‬تتعلق باستمرار البيوت التي سبقت بيته‪ ،‬في‬

    ‫يخرج الدخان من فمه ومنخارية‪ ،‬وهو يخاطب‬                                     ‫التواجد بمحاذاة الإسفلت؟‬
        ‫ولديه‪ ،‬مشي ًرا إلى آثار الطلاء فوق الجدار‪:‬‬                       ‫لا أحد يستطيع الجزم‪ ،‬أو النفي‪.‬‬
                                                           ‫من شرفة البيت الأرضية تتابع عيناه‪ ،‬تشكيلات‬
 ‫البيت مبني صح‪ ،‬لا َي ُع ُّض في جدرانه سوى دبابة‬              ‫العربات المنطلقة بالقرب منه‪ ،‬تضاعف نعومة‬
                             ‫أو طائرة‪ ،‬أو قطار‪.‬‬           ‫الإسفلت من سرعتها‪ ،‬تتطاير نحوه ذرات الغبار‪،‬‬
                                                           ‫فيسرع بغلق الشرفة‪ ،‬بعد نداء امرأته عليه‪ ،‬بأن‬
‫يعبر نظ ُره الإسفلت‪ ،‬والترعة التالية له‪ ،‬ليحط فوق‬          ‫قواها قد انه َّد ْت‪ ،‬من محاولات إزالة الغبار‪ ،‬الذي‬
  ‫شريط القطار‪ ،‬بعد شاطيء الترعة الآخر‪ ،‬مكر ًرا‪:‬‬             ‫يهاجمهم بضراوة‪ ،‬رغم إغلاق الشرفات معظم‬
                         ‫نعم أو قطار على الأقل‪.‬‬
      ‫غير منكر لل َد ِو ِّي العالي داخل البيت‪ ،‬عند أقل‬                                           ‫الوقت‪.‬‬
  ‫احتكاك‪ ،‬تتلبسه الهواجس لمدة‪ ،‬عقب كل احتكاك‪،‬‬            ‫عاد ليتكيء بظهره‪ ،‬على مسند سرير نومه‪ ،‬مشع ًل‬
    ‫مع عدة كوابيس ومخاوف وأحلام‪ ،‬بأن قطا ًرا‬
                                                             ‫سيجارة‪ ،‬طالبًا من المرأة إحضار كوب الشاي‪،‬‬
‫يدهسه أو طائرة تسقط فوق رأسه‪ ،‬لكن سرعان ما‬                   ‫الذي اعتاد تناوله مع السيجارة‪ ،‬وهو يتصفح‬
                     ‫تعود لنفسه سيرتها الأولى‪.‬‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113