Page 104 - merit 48
P. 104

‫العـدد ‪48‬‬   ‫‪102‬‬

                                                     ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫سعد القرش‬

‫مشروع تواطؤ أبيض‬

  ‫امتداح ثيابي‪ ،‬كأنه يقلل من هيبتك‪ .‬أتس َّول الكلام‬    ‫كانت مجنونة في لقائهما الأول في بيتها‪ .‬أتاحت له‬
                                     ‫من لسانك‪.‬‬       ‫وهي تصنع القهوة‪ ،‬أن يتأملها بثيابها المختلفة‪ .‬كان‬
                                                      ‫يظنها تستعصي على الضعف‪ ،‬فتتعالى على الضعف‬
      ‫قذفت الكلام دفعة واحدة‪ ،‬وذهبت إلى المطبخ‪،‬‬
‫واستسلمت للبكاء‪ .‬فارت القهوة التي تعدها لنفسها‪،‬‬        ‫بإظهار الجدية‪ ،‬والإصرار على الجينز‪ ،‬وتصارحه‬
                                                         ‫بنفورها من الرجال‪ ،‬وتقشعر كلما جاملها رجل‬
     ‫وتشاغلت بتجهيز غيرها‪ .‬ولم ترجع من المطبخ‬        ‫بكلمة‪ ،‬أو بالغ في الإبقاء على يدها في المصافحة‪ .‬ولا‬
     ‫بالقهوة‪ ،‬ولا انتظرت أن تنضج‪ .‬وأطلق لسانه‪.‬‬         ‫تتخيل أن يقربها رجل في فراش‪ ،‬أ ًّيا كانت صفته‪،‬‬
  ‫وقالت إنها غيرت رأيها‪ ،‬ولا تحب أن يكون للكنبة‬
  ‫شكل حرف «‪ ،»S‬ولم يفهم‪ .‬همست بأنها تريد أن‬                ‫ولن يكون إلا زو ًجا‪ .‬ولن تتزوج‪ ،‬وأكدت ذلك‬
    ‫تجرب «هذا الشيء»‪ ،‬ولم يستفسر‪ .‬ثم ص َّرحت‬         ‫لأبيها‪ ،‬بعد تعرضها في بلادها لهتك عرض‪ ،‬وتلقيها‬
   ‫بالطلب‪« :‬لا أتنازل وأنا أرجو أن أجرب معك هذا‬      ‫علا ًجا نفسيًّا داوى آثار الجريمة‪ ،‬ولم يصالحها على‬
    ‫الشيء»‪ .‬كان في قولها شعور بالأمان‪ ،‬وبساطة‬
 ‫تعوزها المواراة‪ .‬طلبها الساذج جعل رشيد يضمها‬                                                ‫الرجال‪.‬‬
‫كما يحتضن طفلة‪ ،‬ببراءة لا ينتهي معها الحضن إلى‬        ‫بهذا النفور‪ ،‬ظن رشيد أنها لا تزال تعاني‪ ،‬وحافظ‬
‫ما هو أكثر من الحضن‪ .‬وأدركت أنه يبعدها بلطافة‪،‬‬
      ‫ولم يتأكد لها هل يلفظها‪ ،‬أ ْم يسيء بها الظن؟‬        ‫على مسافة‪ ،‬وأحيا ًنا يتراجع خطوة كلما دفعها‬
   ‫أوضح أنه لا يقرب فتاة؛ فيتهم نفسه بالمخادعة‪،‬‬      ‫الاطمئنان إلى كلام عفوي‪ .‬ولم تتوقع أن يتقدم؛ لأنه‬
  ‫وأن نظرته إليها من أول الأمر تحكمها المسؤولية‪،‬‬
     ‫والمساعدة المحددة بالمادة العلمية للرسالة‪ ،‬ولا‬     ‫خجول يض ُّن ولو بالثناء على ذوقها‪ ،‬واستلطاف‬
   ‫تتعدى إلى تجربة «هذا الشيء»‪ .‬ضحكت وقالت‪:‬‬               ‫ثيابها ولو لم يكن فيها الجينز حائ ًل وحار ًسا‪.‬‬
  ‫«تقلدني؟ ما تسخر من كلامي»‪ .‬وانقلبت الضحكة‬            ‫قدمت القهوة‪ ،‬وشكرها‪ .‬قعدت على الطرف الآخر‬
                                                      ‫للكنبة‪ ،‬وقالت إنها لو بقيت في مصر‪ ،‬فسوف تعهد‬
        ‫إلى رزانة‪ ،‬فقالت إنها ليست فتاة إلا بمقدار‬    ‫إلى نجار بصنع كنبة لها شكل حرف «‪»S‬؛ فلا تألم‬
‫الاستقلال الجسدي‪ ،‬والحفاظ على النفس من الأذى‪،‬‬           ‫عنق الجالسين على طرفيها‪ .‬نظر إليها رشيد ولم‬
‫منذ اعتداء أفقدها عذريتها‪ ،‬وأورثها رعبًا من كل ما‬
                                                                                      ‫يعقب‪ ،‬فأتبعت‪:‬‬
  ‫يمثله الرجال‪ ،‬وارتبط «هذا الشيء» بالذبح والدم‪.‬‬                            ‫‪ -‬كأن القطة أكلت لسانك!‬
‫واسترخت ممددة الساقين‪ ،‬فاردة ذراعيها باستقامة‬
                                                                              ‫‪ -‬جيد أن تقلدي كلامنا‪.‬‬
    ‫الكتفين‪ ،‬ورأسها على الوسادة في دائرة شعرها‬                                    ‫‪ -‬من عاشر القوم‪..‬‬
     ‫المحيط بوجه يضيئه الأمان‪ .‬ثم شكرته على أن‬
‫منحها سعادة لم تتوقعها‪ ،‬وهمست لنفسها‪« :‬جمال‬                                 ‫‪ -‬اشتري ِت ملابسك اليوم؟‬
    ‫نتلقاه ونمنحه‪ ،‬من أين يأتي؟»‪ .‬وأطلقت تنهيدة‬                                 ‫‪ -‬جئت بها من بلدي‪.‬‬
  ‫نفثت فيها سنين من الرعب وعدم الفهم‪ ،‬وسألته‪:‬‬                                    ‫‪ -‬أراها للمرة الأولى‪.‬‬
                                                                                            ‫‪ -‬حلوة؟‬
                                                                                             ‫‪ -‬طبعا‪.‬‬

                                                      ‫‪ -‬أخي ًرا أفرجت القطة عن لسانك‪ .‬تخجل حتى من‬
   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109