Page 105 - merit 48
P. 105

‫‪103‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

                              ‫شفتيه المفتوحتين‪.‬‬                            ‫«هيك يمكن أن يكون لي ولد؟»‪.‬‬
            ‫‪ -‬قلت له الحقيقة؟ شاطرة يا دكتورة‪.‬‬              ‫أرعبه سؤالها‪ ،‬وحاول إخفاء الرعب؛ فلا تمسها‬
  ‫‪ -‬ما تسخر‪ .‬كتبت للبابا سطرين‪ :‬رشيد كان هنا‪،‬‬             ‫عدواه؛ فتخفي عنه النتائج‪ .‬ر َّد‪« :‬ممكن»‪ ،‬وصرف‬
    ‫وجرى بيننا شيء جميل جديد عليَّ‪ ،‬ولا يسعني‬             ‫وجهه عنها‪ .‬ارتدى ثيابه‪ ،‬وتعلل بانشغال‪ ،‬ليتدبر‬
                                                          ‫أم ًرا لم يخطر بباله‪ .‬وكانت من الذكاء لتدرك تقلب‬
                       ‫التعبير عن الفرح بحدوثه‪.‬‬            ‫وجهه‪ ،‬واضطراب مزاجه‪ ،‬وخفوت جذوة الكلام‬
‫فهبطت يده باللقمة‪ ،‬وأسند ذقنه بكلتا يديه‪ ،‬وسألها‬            ‫والفرح‪ .‬وطمأنته‪« :‬حياتي‪ ،‬لا تقلق‪ .‬أكتبه باسم‬
                                                         ‫البابا‪ ،‬اطمئن‪ .‬وقتها أكون رجعت»‪ .‬قال‪« :‬نترك كل‬
   ‫عن ر ِّد أبيها على هذه الملهاة؟ قالت إنه كتب إليها‪:‬‬
       ‫«هناك أمور خاصة ج ًّدا‪ ،‬يحتفظ بها الإنسان‬                                           ‫شيء لوقته»‪.‬‬
                                        ‫لنفسه»‪.‬‬             ‫وكلما اتصلت به تملص منها‪ ،‬وق َّدم أعذا ًرا غير‬
                                                            ‫مقنعة‪ ،‬حتى قالت‪« :‬أقترح اللقاء في قهوة‪ ،‬أو في‬
‫ظل رشيد ينقض عهده مع الله‪ .‬وبعد كل لقاء يجدد‬            ‫النقابة‪ .‬وإذا كنت تخاف من زيارتي‪ ،‬فتعال بصحبة‬
‫العهد‪ ،‬ويدعو الله بصدق أن يتوب عليه‪ ،‬وأن يمنحه‬
 ‫إرادة تساعده على الوفاء‪ ،‬وألا يضعف ضع ًفا يجدد‬               ‫محرم يحميك»‪ .‬دام التهرب ثلاثة أسابيع‪ ،‬ثم‬
‫قلقه وأسئلته التالية للقاء الأول‪ .‬لكنه يصارح نفسه‬           ‫رأى أن لا مفر من مواجهة الحقيقة‪ ،‬وأن يحتمل‬
                                                           ‫الثمرة بعد سعادة الغرس‪ ،‬والانتشاء بنيل امتياز‬
    ‫بأنه يتمنى ألا يقبل الله توبته‪ ،‬وألا يبرأ من هذا‬        ‫اختصته به‪ .‬فعل «هذا الشيء» راضيًا‪ ،‬ولو من‬
    ‫الداء‪ ،‬وأن يترك الله نافذة على هوى يثبت له أن‬         ‫دون تخطيط‪ ،‬فليكن على قدر المسؤولية ولا يجبن‪،‬‬
                                                             ‫ومن المروءة ألا يترك فتاة غريبة حائرة‪ ،‬تطلب‬
                                  ‫الحياة تحتمل‪.‬‬              ‫لقاءه فيتعلل بسفاسف‪ ،‬وير ُّد بحياد يسيء إلى‬
   ‫وها هو اليوم يرجع إليها‪ ،‬ولا ينسى أنها لم تكن‬           ‫لحظات لم يكن فيها حياد‪ .‬أخذ المبادرة‪ ،‬وتصنع‬
                                                          ‫المودة بقدر الاستطاعة‪ ،‬وقال إنه يدعوها إلى غداء‪،‬‬
     ‫يو ًما ثقيلة الظل‪ ،‬ولا حاولت الاتصال بتليفون‬        ‫وأح َّس برقص حروفها‪« :‬أهلا حياتي»‪ .‬وبعد ساعة‬
   ‫البيت لو وجدت تليفونه المحمول مغل ًقا‪ ،‬ولا تزال‬         ‫اعتذرت؛ لأنها لا تستطيع الخروج‪ ،‬بسبب الآلام‬
   ‫تحافظ على خصوصياته‪ ،‬ولا تمارس ضغ ًطا‪ ،‬مع‬
 ‫استعدادها لأن تعلن للعالم أنها تحبه حبًّا لا تبتغي‬                ‫الشهرية‪ ،‬فانفجر ضاح ًكا‪ ،‬وأتاها بغداء‪.‬‬
‫من ورائه أكثر من أن يكون عشيقها‪ ،‬وكررت‪« :‬نعم‬                    ‫شكر الله على إنقاذه من حيرة لازمته ثلاثة‬
 ‫عشيقي‪ .‬أحب الكلمة لأنها حقيقة‪ ،‬ولأنك عشيقي»‪.‬‬             ‫أسابيع‪ ،‬وعاهده ألا يعود‪ .‬كيف يترك ولده يعيش‬
                                                            ‫في بلد آخر؟ هل يعقل أن يحمل الابن اسم رجل‬
       ‫و َّدت أن تعلنها؛ فلا يتحرش بها متحرشون‪،‬‬            ‫آخر ولو كان ج َّده؟ وما معنى أن يكون الابن في‬
        ‫بعضهم أصدقاء رشيد وأصحابه‪ .‬يجهلون‬                ‫الأوراق الرسمية أ ًخا لأمه؟ لماذا لا يكون رج ًل ح ًّقا‬
                                                            ‫ويتزوجها؟ خشي أن يبوح لها بهذه الهواجس؛‬
     ‫علاقتهما‪ ،‬وبعد اختلائهما تبكي‪« :‬لو يعرفون‪،‬‬         ‫فتخفي عنه الحقيقة‪ ،‬أو تختفي حتى تغادر‪ ،‬وها هي‬
    ‫لضمن ُت النجاة من سخافاتهم»‪ .‬وكان قد ضاق‬
   ‫بشكواها‪ ،‬وبسخافات الذين يرونها صي ًدا قريبًا‪،‬‬                                   ‫تبشره بأن الله أنجاه‪.‬‬
‫وابتعد ابتعا ًدا تدريجيًّا لا يجرح كبرياءها‪ .‬تعلل بأن‬   ‫شكرته على غداء جاء به ساخنًا‪ ،‬وقالت ببراءة يعجز‬
  ‫موعد الفراق قد حان‪ ،‬وعن قريب تناقش رسالتها‬             ‫خياله عن بلوغها إنها‪ ،‬في اليوم التالي‪ ،‬أخبرت أباها‬
‫وترجع نهائيًّا‪ ،‬وقد نضجت عن مراهقة أن يكون لها‬
                                                                               ‫بكل شيء‪ .‬فسألها رشيد‪:‬‬
                       ‫ابن يسجل باعتباره أخاها‪.‬‬                                          ‫‪ -‬أنت مجنونة؟‬
   ‫قال إنه أتى ليطمئن عليها‪ ،‬ويعيد إليها المفتاح‪ .‬لم‬
  ‫يفكر في هذه التفاصيل قبل أن يترك سونهام‪ ،‬منذ‬              ‫‪ -‬لا أخفي عن البابا أي شيء‪ .‬قلت له الحقيقة‪.‬‬
 ‫ساعة‪ ،‬ولا يعرف ما الذي حمله إلى هنا‪ ،‬ولم يح ِّمل‬        ‫كانت اللقمة تقترب من فم رشيد‪ ،‬فظلت يده معلقة‪،‬‬
 ‫نفسه جهد الرد على رسالة «الدكتاتور الوطن» قبل‬
                                                             ‫لا تهبط إلى الطبق‪ ،‬ولا ترتفع فتدفع الطعام إلى‬
                                        ‫يومين‪.‬‬
                            ‫‪ -‬تريد إعادة المفتاح؟‬

                                         ‫‪ -‬نعم‪.‬‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110