Page 126 - merit 48
P. 126
العـدد 48 124
ديسمبر ٢٠٢2
سيرة مستقلة لكل جانب كما فعل زكي نجيب
محمود في كتبه الثلاثة «قصة عقل» و»قصة نفس»
و»حصاد السنين» .وفيما يبدو فإن الكاتبة اختارت
الطريق الأخيرة ،ما يجعلنا نتوقع جز ًءا ثانيًا أو
أكثر لاستكمال الوجه الإنساني بالوجه الإبداعي
لفاطمة قنديل.
وإذا كان للكاتبة وجهان ،أحدهما إنساني والآخر
إبداعي ،فإن للأقفاص الفارغة معنيان ،أحدهما
حقيقي والآخر مجازي ،وكما تحدثت الكاتبة عن
وجهها الإنساني دون الإبداعي فقد تحدثت عن
الأقفاص الفارغة الحقيقية دون المجازية ،والتي
تركت عبء تفسيرها لحصافة القارئ ،وفي هذا
المعني تقول« :بعد أن ماتت أمي ،لم أعد أجلس في
الشرفة كثي ًرا ،وذات صباح فوجئت بالحوض وقد
صار مخز ًنا لأقفاص دجاج فارغة ،حملها أحدهم،
كغنيمة ،ليخبئها هناك ،عشرات من الأقفاص،
المكدسة فوق بعضها ،احتلت كل المساحات بين
الشرفة الصغيرة ،وسور البيت ،حين رأيتها جن
جنوني ،وأدركت أن البيت صار مستبا ًحا تما ًما،
كأنه مهجور ،و كأن لا وجود لي فيه»( .ص)١٦
ومفتاح الفقرة السابقة يكمن في بدايتها «بعد أن
ماتت أمي» .فحياة الكاتبة بعد موت الأم صارت
فارغة ومستباحة ،ووجودها صار مهد ًدا في عالمها
الخاص الذي اختارت مرغمة أن تحيا فيه بمفردها.
وهنا يحق لنا أن نتساءل :لماذا لم تكتب قنديل إهدا ًء
لروايتها؟!
هل لأنها لم تجد في حياتها من يستحق الإهداء ،أم
لأن الذين يستحقون إهداءها كثيرين؟ ربما تجيب
اللوحة التي تتصدر الغلاف عن هذا التساؤل،
ففيها تظهر طفلة تجلس فوق كرسي وتحتضن
ق ًّطا أسود بين ذراعيها وبجانبها منضدة فوقها
علبة شكولاتة ،ومن خلف الكرسي تقف الأم وهي
تحيطها بذراعيها في حنان .والأم هنا هي رمز
الحماية والمسؤولية ،والقط وعلبة الشكولاتة هما
رمزا البراءة ،واللوحة بهذا المعنى يمكن أن ُتفهم
على أن الكاتبة تودع المسؤولية وتستعيد البراءة
التي فقدتها مبك ًرا ،لأنها لم تعش طفولتها كما
ينبغي ،والبراءة عند الكاتبة ،في هذه السن ،لا تعني
السذاجة ،ولكن براءة الشاعرة التي تتعامل مع