Page 129 - merit 48
P. 129

‫على غرار التحليل الفينومينولوجي‬
‫لجاستون باشلار‪ ،‬نعثر لدى الكاتبة على‬

    ‫مفردة تكررت لعدة مرات متتالية في‬
   ‫الفصل الأول‪ ،‬وهي "الزهو"‪ ،‬ما يجعل‬
  ‫القارئ يتساءل عن سر احتفاء الكاتبة‬
    ‫بهذه المفردة بالرغم من أنها تأتي‬
 ‫في مواضع لا تستدعي الفخر أو الخيلاء‪.‬‬
‫فهل للكلمة معنى خاص لدى الكاتبة؟‬

     ‫أم أنها تستخدمها كنوع من الأداة‬
‫والاستراتيجية الساخرة التي تواجه بها‬
‫خيبات الأمل التي أمطرتها‪ ‬بها‪ ‬الحياة؟‬

     ‫يشعرون بالزهو بسبب أشياء تخص الآباء أو‬                ‫مرات متتالية في الفصل الأول‪ ،‬وهي «الزهو»‪،‬‬
‫الإخوة الكبار‪ ،‬وتشير الكاتبة إلى معنى قريب عندما‬         ‫ما يجعل القارئ يتساءل عن سر احتفاء الكاتبة‬
 ‫تقول‪« :‬غالبًا هما من أتيتا بالعلبة‪ ،‬فالبهجة الدفينة‬     ‫بهذه المفردة بالرغم من أنها تأتي في مواضع لا‬
                                                      ‫تستدعي الفخر أو الخيلاء‪ .‬فهل للكلمة معنى خاص‬
 ‫فيها‪ ،‬وتذكري الزيارة والجيران في الشرفة‪ ،‬كانت‬           ‫لدى الكاتبة؟ أم أنها تستخدمها كنوع من الأداة‬
    ‫أمو ًرا دافعة للزهو‪ ،‬لا محالة‪ ،‬الزهو لا يمكن أن‬      ‫والاستراتيجية الساخرة التي تواجه بها خيبات‬
  ‫تستشعره إلا فتاة‪ ،‬في الحادية عشرة من عمرها‪،‬‬
                                                                        ‫الأمل التي أمطرتها بها الحياة؟‬
‫ولا تزال تتذكر‪ ،‬وهي تجاوز الستين‪ ،‬ظلام الصالة‬         ‫تقول الكاتبة‪« :‬لا أظن أن السعادة الكامنة‪ ،‬وحدها‪،‬‬
     ‫المش َّرب بنور المطبخ الواهن‪ ،‬وقد غطت رأسها‬
     ‫بالبطانية تلتهم الشوكولاتة‪ ،‬وتربت على شعر‬            ‫هي ما حافظ على العلبة طوال هذه السنين‪ ،‬كم‬
                                                        ‫من السعادات المفقودة دون أثر! أظنها ابنة لحظة‬
   ‫«ميشو»‪ ،‬وتمسك به‪ ،‬بعنف‪ ،‬كلما حاول التملص‬
                                 ‫منها»‪( .‬ص‪)١١‬‬               ‫«زهو» أي ًضا‪ ،‬لحظة دخول سيارة فارهة إلى‬
                                                          ‫شارعنا‪ ،‬حتى أن الجيران خرجوا إلى الشرفات‬
  ‫وفيما يبدو فإن الأب كان دائ ًما هو مصدر الزهو‬         ‫ليتأملوها‪ ،‬هبطت منها بنتان‪ ،‬تفوح منهما العطور‬
 ‫عند الكاتبة‪ ،‬وأن مهنته في التدريس كانت هي التي‬         ‫الغالية‪ ،‬وأبي جالس بالبيجاما والروب»‪( .‬ص‪)١١‬‬
                                                      ‫فالزهو‪ ،‬بهذا المعنى‪ ،‬أقوى من السعادة عند الكاتبة‪،‬‬
    ‫تمنحه القدرة على أن يكون سببًا في زهو ابنته‪،‬‬          ‫لأن السعادة تذهب بينما الزهو يبقي على مدار‬
‫فالفتاتان السعوديتان اللتان جلبتا علبة الشوكولاتة‬         ‫السنين‪ ،‬ربما لأن السعادة شعور داخلي يخص‬
                                                       ‫الشخص وحده‪ ،‬لكن الزهو يرتبط بوجود آخرين‪،‬‬
     ‫كانتا من تلاميذ الأب‪ ،‬والمدرسين الذين كانوا‬         ‫بحيث يستشعر هذا الشخص وجوده وحضوره‬
  ‫يدرسون للكاتبة في طفولتها كانوا يلجؤون للأب‬             ‫القوي والمميز في مواجهتهم‪ .‬وقد يرتبط الزهو‬
‫لحل مسائل الدراسة المستعصية‪ ،‬فتقول مؤكدة على‬              ‫بسمة تميز الشخص ذاته أو بميزة تضاف إليه‬
   ‫قوة شعورها بالزهو‪« :‬نعم كان «الزهو»‪ ،‬الزهو‪،‬‬           ‫من الخارج‪ ،‬كما يحدث عادة لدى الأطفال الذين‬
   ‫الذي استعادته في ذلك المساء‪ ،‬زهو الطفلة‪ ،‬التي‬
‫كان مدرسوها يضعون فى يدها ‪-‬خلسة‪ -‬التمارين‬
 ‫الرياضية الصعبة عليهم‪ ،‬لتسليمها إلى أبيها‪ ،‬ينظر‬
   124   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134